''لا يمكن الخروج للمواجهة مع البارونات، وإنما نتعامل معهم بمنطق حرب العصابات ونضرب في كل مرة جهة من الجهات وهكذا''. كان هذا أحد ردود الوزير الأول والأمين العام للأرندي، أحمد أويحيى، وهو يصف أحداث ''الزيت والسكر'' في جانفي الفارط التي قال بأنها ''مفبركة'' بنسبة 60 بالمائة. وتكشف هذه المعطيات أن الفساد لم يعد يقتصر على سرقة المال العام وتحويل الصفقات وشراء الأصوات، بل ظهرت له أنياب ومخالب وقرون وتحوّل إلى ''غول'' بإمكانه، باعتراف أويحيى، تهديد استقرار الدولة. لكن هذا الأمر ليس بالجديد، فالمرحوم محمد بوضياف قال بأن هناك ''مافيا في هذه البلاد''، في أحد أهم خطاباته لدى عودته إلى الجزائر وترأسه للمجلس الأعلى للدولة، غير أنه رحل دون أن تُكشف تلك الرؤوس. ثم إذا كانت هذه المافيا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، موجودة في سنوات التسعينات، حيث كانت خزائن الدولة فارغة، فكيف هو حالها، اليوم، والبرامج التنموية المعلنة تحمل أرقاما خيالية بملايير الدولارات؟ إذا كان بارونات الاستيراد والسوق السوداء وأصحاب ''الشكارة''، قد ''تغوّلوا'' وتحوّلوا مثل ''دراكولا'' إلى مصاصي دماء ثروات الشعب، فذلك أمر لا يجد تفسيره سوى في أن الدولة وأجهزتها كانت عوض أن تستعمل ضربة بالفأس لاقتلاع هذا المرض من جذوره، راحت طوال تلك السنين تعالجه ب''البراسيتامول''. ويبدو من خلال دعوة أويحيى إلى التعامل مع أولئك ''البّاندية'' بطريقة حرب العصابات والكر والفر، أن الدولة في علاجها مازالت لم تقتنع أو لا تريد أن تقتنع أن آخر مرحلة في التعفن ليس لها دواء سوى ''الكي''. إن عدم إقدام الدولة على استعمال خيار ''ضربة بالفاس خير من عشرة بالفادوم''، في محاربتها لبارونات الفساد، هو الذي جعل سيف القانون يلاحق البعض دون البعض الآخر، أو بعبارة أخرى توقيف الحوت الصغير وترك سمك القرش يفترس ما شاء له من ضحايا. وهذه السياسة في الكيل بمكيالين هي التي أسقطت مبدأ الحساب من ''أين لك هذا؟''، وعوّضته بسياسة ''دعه يعمل دعه يمر'' التي جعلت دولة مثل الجزائر، تملك مفتشيات عامة للمالية ومجلس محاسبة ومرصدا وطنيا لمحاربة الفساد، تخاف من مواجهة البارونات وتكتفي فقط بحرب الكر والفر، بحجة الحفاظ على استقرار البلاد. فأي استقرار هذا والبلاد ''مصّها'' أخطبوط الفساد مصّا؟