افتتحت، أوّل أمس، بقاعة ''محمّد زينات'' بديوان رياض الفتح بالعاصمة، فعاليات ''سينما الإنتاج المحلّي'' بعرض الفيلم الوثائقي ''اغترابات'' لمخرجه مالك بن اسماعيل، وهو الأوّل بالجزائر بعد مرور أكثر من سبع سنوات على إنتاجه. يطرح الفيلم الذي أنتجته شركة ''إينا'' سنة 2003 أسئلة جوهرية عن جزائر ما بعد العشرية السوداء، عن الحريّة والحداثة، ومكانة المرأة، ودور الدين في المجتمع. ومالك بن اسماعيل الذي يعود إلى قسنطينة، وتحديدا إلى مستشفى الأمراض العقليّة، الذي يمثّل له مكانا حميميا مرتبطا بطفولته، حيث كان والده طبيبا، اختار إثارة تلك القضايا بعيون المضطربين عقليا، ليلامس حجم الاضطراب الذي يعيشه هذا المجتمع الذي لا يخرج من أزمة إلا ليدخل في أخرى. لكنّ الفيلم الوثائقيّ السينمائي الذي يُعدّ الأوّل من نوعه في العالم العربي، يتجاوز تصوير الواقع الذي يعيشه المرضى داخل المصحّة، لينقل وجهات نظرهم حول الحياة التي تركوها خلفهم، فيغيب التّعليق ويلتزم الأطبّاء الصمت.. ويتحدّث المرضى. تقتحم كاميرا المخرج الجزائري المغترب مالك بن اسماعيل، أسوار المستشفى، لتنقل في ساعة ونصف جوانب من الحياة النفسية والاجتماعية لنزلائه، ليقولوا الحقيقة من وجهة نظرهم، فيعبّرون عن آرائهم في المجتمع والدين والسياسة، وفي الجزائر التي يحلمون بها. وهكذا، تأتي الآراء فجّة، صادمة، ومُدينة للسلطة والمجتمع، كما يعبّر عن ذلك أحدهم: ''نحن لسنا مجانين بالفطرة، لكنّنا جننا بسبب الحكومة''، قبل أن يستطرد قائلا: ''بعد عشر سنوات، سيصبح كلّ الجزائريين مجانين''. يتلمّس ''اغترابات'' ذلك الخيط الرّفيع الذي يفصل بين الجنون والعبقرية، فالشخصيّات التي تتناوب على الشّاشة تصدم المشاهد بتركيبتها النفسيّة والعقليّة التي تتأرجح بين الاضطراب حدّ الجنون والاتّزان حدّ الحكمة.