توضيح حول سوء فهم فتوى أثارت فتنة في وسائل الإعلام المكتوبة، وأسالت حبرًا وأنطقَت ألسنة بما يليق وبما لا يليق بسبب تصحيفٍ وقع في نصّها اابتداءً، وسوء فهم على الرغم من وضوح الأدلّة ثانيًا. فالفتوى في أصلها كانت إجابة عن سؤال فتاة عن حكم الزواج بمَن يُدخِّن، وكان الجواب بأنّ التدخين حرام للأسباب التالية: أوّلاً: للأضرار الّتي يُلحقها بالصحة الجسمية للمدخّن، فقد ثبت طبيًّا- وهذا عند المسلمين وغيرهم- بأنّ التدخين من أكبر أسباب سرطان الحنجرة والرئتين، الّذي من المعلوم طبيًّا أنه متى أصاب الإنسان فهو هالك، والله تعالى يقول: {ولا تُلقوا بأيديكم إلى التّهلكة}. ثانيًا: ومن المعلوم كذلك طبيًّا أنّ التدخين قاتل ببطء، فالمدخّن بمثابة منتحر ببطء، والله تعالى يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم}. ثالثًا: أنّه يُلحِق الضّرر بمَن يدخِّن، وبمَن حولَه من النّاس، وهو المعبَّر عنه عند علماء الصحة بالتّدخين الإيجابي والتدخين السلبي. فالتدخين السلبي أكثر ضررًا من التدخين الإيجابي، ورسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم يقول: ''لا ضَرَر ولا ضِرَار في الإسلام''. أمّا الزّواج ممّن يدخِّن فهو زواج ممّن يرتكب معصية، وهذا لم يَرِد تحريمُه لا في القرآن ولا في السُنّة ولا عند علماء الأمّة قديمًا وحديثًا، ولا يمكن أن أجرأ على تحريم ما أحلَّه الله، لأنّ الزّواج من العاصي صحيح شرعًا، بل قد يفيد إذا كانت الزوجة صالحة وقادرة على التّأثير الإيجابي في زوجها حتّى يُقلع عن العصيان. وتمنّيتُ من رجال الإعلام ونسائه قبل الإقدام على إثارة الشّكوك والبلبلة وإثارة الفتنة في أوساط الشباب والقرّاء أن يتثبَّتوا من صحة الفتوى، وعدم صحّة نسبتها إلى قائلها بذلك المعنى المُروَّج له. وأمّا عن حسن اختيار الزوج، والّذي أعَنَّا الفتاة السائلة عنه، فهو ما بيّنه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في قوله: ''إذا جاءكُم مَن ترضون دينَه وخُلقَه- وفي رواية ''وأمانته'' -فزوِّجوه، إلاّ تفعلوا تكُن فتنة في الأرض وفساد كبير''، فللبنت وأهلِها أن يتبيّنوا الأمرَ قبل الإقدام عليه. وكلام الإعلاميين الّذين سارعوا إلى نشره، ثمّ انتشر في الوسائل الإعلامية كالنّار في الهشيم، لو عَمِلوا بقوله تعالى: {إنْ جاءَكُم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبُوا قومًا بجهالة فتُصبحوا على ما فعلتُم نادمين} لَمَا وقع ذلك. هذا بالنسبة لغير المُغرضين، أمّا المغرضون فما يُقال لهم إلاّ أنّ هذا إفك لم يَسْلَم منه سيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم وأمّ المؤمنين زوجته الطاهرة رضي الله عنها. أمّا الأساتذة الأفاضل الّذين علّقوا على الفتوى مشكورين في بيان الحكم الشّرعي فيما يخصّ الزواج بالمدخِّن أو بمرتكب معصية عمومًا، فتمنّيتُ لو التزموا المنهج القرآني في التعامل مع الإشاعات قبل نقدها والتّعليق عليها، والمنهج القرآني واضحٌ في قوله تعالى: {لوْلاَ إِذ سمعتموهُ ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفُسِهم خيرًا وقالوا هذا إفك مبين}، لكان خيرًا لهم ولغيرهم بدل الانقياد والسّير في رَكب الرّاكبين في سفينة الفتنة الّتي جاء في حقّها في الأثر ''الفتنة نائمة لعن الله مَن أيقظها''. إذْ أُبَرِّئ نفسي ممّا نُسِب إليَّ من فتوى تحريم الزواج من المُدخِّن أمام الله وعباده، وأُخاصِم كلَّ مَن سار في تأكيدها عند الله. فحسبي الله ونِعم الوكيل. وأمّا الإعلام بصفة عامة كالصّحيفة الّتي نشرت الفتوى ابتداءً، والصحف الّتي علّقت عليها انتهاءً، فإنّه ممّا كنت أعلَم عن الإعلام أن يكون هادفًا لا هادمًا، وأن يكون ناقدًا لا جارحًا، وأن يكون ساترًا لا فاضحًا، ومنهج الجميع في ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''ما بالُ أقوام''. وأستغفر الله في الأوّل والأخير على أنْ كنتُ السبب في سوء فهمٍ أثار فتنة الأمّة في غِنًى عنها. أسأل الله تعالى العفو والعافية والمعافاة الدائمة على هذه الهفوة، وأتوب إليه، راجيًا غفرانه وستره. آمين.