يعاني العمال الذين يشتغلون في شركات النفط بالجنوب والعسكريون ورجال الأمن العاملون في مناطق تفوق درجة الحرارة بها ال50 مئوية، هذه الأيام، من صعوبة شديدة في مواجهة قسوة الطبيعة، خصوصا خلال هذه الأيام التي تتزامن مع شهر الصيام. وتدرس وزارة الدفاع الوطني اقتراحات لبحث أوضاع الجنود في شهر رمضان، فيما تدرس وزارة الشؤون الدينية إصدار فتاوى تبيح للعمال والجنود المعنيين بهذه الوضعية الإفطار في حال الشعور بالإجهاد والتعب الشديدين، مع وضع شروط وضوابط شرعية حتى لا تستغل الفتوى استغلالا غير شرعي. 100 ألف عامل و40 ألف عسكري بالجنوب لجنة على مستوى وزارة الدفاع تبحث أوضاع الجنود في رمضان تدرس وزارة الدفاع الوطني اقتراحات قدمتها لجنة عسكرية للتخفيف من معاناة الجنود وعناصر الدرك الوطني العاملين في مناطق شديدة الحرارة في شهر رمضان، بعد أن أكدت تقارير أمنية وطبية عدم قدرة العسكريين والعمال الموجودين في مناطق تفوق حرارتها 44 درجة مئوية على مواصلة الصيام. شكلت وزارة الدفاع الوطني، حسب مصدر عليم، بداية شهر جويلية المنقضي، لجنة تضم أطباء وعسكريين في تخصصات عدة لبحث أوضاع الجنود في شهر رمضان بالجنوب وتوفير كل الإمكانات، للتخفيف من معاناة الصيام والعمل تحت حرارة شديدة. ومن بين الاقتراحات تقليص ساعات عمل الجنود والدركيين في النهار على الحواجز الأمنية بالمناطق ذات الحر الشديد، وزيادة عدد الجنود لتوفير راحة أكبر لزملائهم، مع إمكانية إصدار فتوى تخص العمال والجنود المجبرين على العمل أكثر من 6 ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة. وكانت وزارتا الدفاع الوطني والداخلية قد أدخلتا حيز التنفيذ أيضا، مخططا أمنيا جديدا خاصا بشهري جويلية وأوت الذي يوافق رمضان الكريم، تضمن نقل آلاف العسكريين الإضافيين لإراحة الجنود وعناصر الدرك، في ظل الحرارة القياسية التي تشهدها المناطق التي يعمل بها المكلفون بمراقبة الحدود المشتركة مع الجماهيرية الليبية. كما نشرت هيئة أركان الجيش الوطني الشعبي وقيادة الدرك الوطني في الأشهر الماضية، أكثر من 40 ألف عسكري ودركي في ولايات أقصى الجنوب والشرق لمواجهة الإرهاب ومنع تهريب أسلحة من ليبيا. ويعاني هؤلاء الجنود من تأثير الحرارة الشديدة، خاصة أن الآلاف منهم يرى الصحراء للمرة الأولى في حياته، وهو ما يعني ضغطا إضافيا على وزارة الدفاع التي باتت الآن ملزمة بإيجاد حلول لتوفير الأمن على الحدود، وفي نفس الوقت توفير أكبر قدر ممكن من الراحة للجنود العاملين، حيث يضطر عناصر الدرك والعسكريون للوقوف لأكثر من 6 ساعات على حواجز أمنية على الطرق لمراقبة حركة السير وتضييق الخناق على الخارجين عن القانون، تحت درجة حرارة تفوق ال50 مئوية. ويفرض على العامل في هذه الحواجز تشديد المراقبة على الطرق والعربات، وهو ما لا يمكن أن يتوفر للصائم في ظروف قاسية بالصحراء. كما يعمل أكثر من 90 بالمائة من الجنود والضباط وعناصر الدرك في ظروف شديدة القسوة تحت حرارة تتراوح بين 44 و50 مئوية، وهم مطالبون باليقظة الشديدة وعدم التساهل في مراقبة حدود صحراوية شاسعة. وقررت وزارة الدفاع تكثيف المراقبة الجوية للصحراء على الحدود الشرقية والجنوبية لإراحة العسكريين على الأرض، ولمنع تهريب أسلحة مهربة من ثكنات ومعسكرات الجيش الليبي إلى الجزائر، بالإضافة إلى تسلل عناصر إرهابية، حيث حذرت تقارير أمنية من تهريب كميات من الأسلحة والذخائر التي تم توزيعها في ليبيا في الأيام الأخيرة، بالإضافة إلى الأسلحة المسروقة من معسكرات وثكنات القوات المسلحة الليبية. ويحل شهر رمضان هذا العام في بداية شهر أوت، حيث تشهد المناطق التي نشرت فيها وزارة الدفاع وقيادة الدرك الوطني حرارة تصل إلى 50 مئوية، ولا تتوفر لأكثر من 90 بالمائة من الجنود العاملين، أي إمكانات لمواجهة هذه الحرارة. وفي موضوع ذي صلة، قدر فرع جمعية الكرامة والعدالة الوطنية التي تختص بالدفاع عن العمال المحرومين من الحقوق في الجنوب، عدد عمال البناء في 12 ولاية بالجنوب خلال شهر رمضان الجاري ما بين 80 و100 ألف، سيعيشون، حسب بوسعاية مجيد، عضو الجمعية، ظروفا مأساوية. البعض أصيب بالسكتة القلبية وآخرون انتحروا العمل في ظروف لا يطيقها الإنسان بآبار النفط إذا كان بعض الموظفين والعمال بالجنوب ينعمون بالمكيفات في أماكن عملهم، فإن آخرين يواجهون أشعة الشمس الحارقة لمزاولة نشاطهم كحال عمال المحروقات بالصحراء، الذين يعملون بحقول الغاز على امتداد ساعات اليوم وفي ظروف مناخية جد صعبة. حل شهر رمضان وازدادت فيه قساوة ظروف العمل للكثير من العمال بالجنوب، العاملين بحقول الغاز والبترول والمطالبين بالتنقل اليومي للصيانة والحراسة وتفادي توقف نشاط الإنتاج للالتزامات الوطنية والدولية. فدرجة الحرارة تقارب وتفوق في بعض الأحيان ال,50 والطرقات ليست كلها معبدة وتكسوها الرمال وسيارات التنقل بعضها غير صالح ويعتمد على أسلاك والمكيفات لا تشتغل بها، إلا أن هؤلاء العمال يجتهدون في الالتزام بعملهم قصد ضمان الإنتاج وعدم توقفه سواء بالمعامل الخمسة الموجودة بحاسي الرمل أو الآبار المنتشرة بضواحي تيلغمت وبوزبير وجبل بسة على مسافة عشرات الكيلومترات. ويرى الكثير من العمال الذين التقتهم ''الخبر'' بمدينة حاسي الرمل، أن ظروف العمل في الصحراء جد قاسية والبعض منهم لا يقوى على مجابهتها على مدى سنين طويلة، ما ساهم في إصابة بعض العمال بالسكتة القلبية وإقدام آخرين على الانتحار بسبب الوحدة وعوامل أخرى، مع تسجيل أمراض مهنية عديدة تنهك أجسامهم، لا يتم اكتشافها إلا بعد سنوات عديدة. وأشار هؤلاء العمال إلى أنهم يقاومون جميع الظروف بما في ذلك المناخية لإتمام عملهم وسيره في ظروف عادية، رغم تردي بعض الوسائل وتآكلها، متأسفين لحال عمال المناولة الذين يقومون بمجهودات كبيرة في خدمات الإيواء والإطعام والنقل والحراسة رغم أجرهم الزهيد كحال عمال الأمن الداخلي الذين يفوق عددهم 600 عامل، وعدم استمتاع بعضهم بالحياة العائلية لظروف والتزامات مهنية أصبحت شاقة ومتعبة وحقوقها مهضومة، لأن العامل في الجنوب يستفيد من التعويض ويحرم من العطلة، والتزاماته العائلية مطالب ببرمجتها حسب تاريخ العطلة التعويضية التي يستفيد منها دوريا. الأغواط: ب. وسيم شاهد من أهلها التقني بوميدونة بوخاري31 عاما في جهنم! يؤكد السيد بوميدونة بوخاري، البالغ من العمر 55 سنة والعامل كتقني تدخل أمن في مؤسسة سوناطراك بحاسي الرمل منذ 31 سنة، أن العمل بالجنوب محدد بأربعة أنظمة حسب الطبيعة والمكان، مشيرا إلى أن عمال سوناطراك تطوعوا بساعة عمل في أكتوبر 1973، أصبحت إجبارية في السنوات الموالية بمجموع 9 ساعات عمل للعمال العزاب. وأكد المتحدث أن العمال يعملون لمدة أربعة أسابيع، ليتحصلوا على ثلاثة أسابيع راحة، بينما يحصل آخرون يعملون لمدة 12 ساعة يوميا على امتداد 4 أسابيع على 4 أسابيع راحة، وهي عطلة تعويضية أو راحة، حسب المتحدث وليست عطلة سنوية. وأوضح السيد بوميدونة أن طبيعة العمل تستدعي التجند المستمر لمراقبة الحقول، رغم الظروف المناخية والحرارية الصعبة، ومن ذلك الزوابع الرملية وانتشار الحشرات والتأثير المهني المباشر، مشيرا في هذا السياق إلى تسجيل وفاة حوالي 15 عاملا بسكتة قلبية أو مرض مهني، رغم غياب إحصاءات دقيقة وتصنيف المنطقة ذات أخطار كبرى على البيئة والحيوان وحتى الإنسان. وتأسف العامل لتدهور بعض الوسائل ولاسيما الخاصة بالنقل، إلا أن حب العمل والتفاني فيه أبقى التضحية رغم تبديد الأمل بتحسن حال المؤسسة حسب تصريحات وتصرفات بعض النقابيين والمسؤولين، في ظل غياب قانون لعامل المحروقات يحدد واجباته وحقوقه المهضومة، ومن ذلك الخصومات الكبيرة في الأجر وتساوي الراتب رغم تباين ظروف العمل وحرمان حتى الأبناء من العمل كحال المتحدث الذي لديه على 5 بطالين في بيته، أحدهم تقني في الإعلام الآلي. الأغواط: ب. وسيم بسبب المشقّة والضرر الكبير أثناء الصوم الشيخ أحمد حماني أباح إفطار الجنود والعمال تحت الحرّ الشّديد أفتى فضيلة الشيخ أحمد حماني، رحمه الله، بجواز إفطار الجنود المشتبكين مع العدو أو الذين هُم على وشك الاشتباك به أو المتربّصون لذلك في مواقعهم الأمامية في رمضان، لأنّ الفطر أقوى لهم، مصداقاً لنص الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن أبي سعيد الخذري، أنّهم ساروا إلى غزوة فتح مكة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم صيام، قال أبو سعيد: (نزلنا منزلاً فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ''إنّكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم'' فكانت رخصة، فمنّا مَن صام، ومنّا مَن أفطر، ثمّ نزلنا منزلاً آخر فقال ''إنّكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا'' فكانت عزمة فأفطرنا). وأضاف الشيخ حماني أنّ الجنود المتحرّكين في الواجهة من منطقة إلى أخرى، ومثلهم الجنود المتنقّلون إلى الواجهة، ولو من مسافة خلفية بعيدة، هؤلاء يتأكّد عليهم الفطر، لأنّه أقوى لهم. أمّا الجنود الموجودون خلف الواجهة، قريباً أو بعيداً وهم مستقرون بها، ووسائل الراحة النسبية متوفرة لديهم، ولا ينتظر منهم لقاء قريب مع العدو، هؤلاء لا يجوز لهم أن يفطروا، إلاّ مَن كان مريضاً، ولا يجوز لضُباطهم أن يُجبروهم على الإفطار، لأنّ ذلك يضعف الروح المعنوية فيهم، ويجعلهم يحسّون بوخز الضمير وأنّهم مذنبون أمام الله، معتبراً أنّ الروح الدينية في الجنود خير ضمان للقوّة المعنوية فيهم. وبخصوص مسألة عمال الفرن العالي بمركب الحجار، فإنّ الشّرع، يؤكّد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى سابقاً، رخَّص لهم في الإفطار، لأنّهم يواجهون الحرارة الشّديدة، ولا يستطيعون معها الصيام، على أساس أنّ الصّائم، مريضاً كان أو صحيحاً، إذا خاف على نفسه هلاكاً أو شديد أذى الصوم، وجب عليه الفطر وأن يقضي عدّة ما أفطره من أيّام أُخَر. وأنكر مفتي الجزائر سابقاً على مَن أفطر من غير عمال الفُرن ومَن ليس له عُذْر، وحتّى لو كانوا يعملون في المركب، واعتبره إساءة وقِلّة دِين، وحقّ عليه الخزي والإهانة وعليه القضاء والكفارة. وجاءت فتوى الشيخ أحمد حماني رحمه الله، ردّاً على سؤال الجنود المرابطين في مواجهة العدو، ومن أحد عمال الفرن العالي بمركب الحجار، للضرر الكبير والمشقّة الّتي تُصيبهم، وعلى أساسها نبني حكم صوم الجنود وكذلك العمال في أقصى الجنوب، في ظلّ الحرارة الشّديدة وطول فترة الصوم. الجزائر: عبد الحكيم فماز