من رحلات المغاربة نحو الجزائر رحلات الصوفي التيجاني المعروف القاضي أحمد العياشي سكيرج. فهو من مواليد فاس 1878م، له عشرات المؤلفات، تتلمذ على كبار مشايخ التيجانية مثل أحمد العبدلاوي، وقد صار أحد مشايخها والأبرز في التأليف في أصولها ومناقب مؤسّسها الشيخ أحمد التيجاني. توفي التيجاني في 12 أوت 1944، وترك رحلة وشبه رحلة، الرحلة الأولى نحو الغرب الجزائري وبالخصوص مدينة وهران في سنة 1911م وتسمّى ''الرحلة الحبيبة'' على اسم زميله وأخيه في الطريقة مفتي وهران الحبيب بن عبد المالك، إذ كانت الزيارة بدعوة منه، وحسب علمي لا تزال مخطوطة، وقد قام الأستاذ أحمد سكران بجامعة وهران بتحقيقها ودراستها لنيل الدكتوراه، وفيها نقرأ مدى التّطور العلمي والفقهي في حواضر الجزائر رغم حالة التّجهيل والقمع والتّشريد، فينقل لنا مناظراته مع مشايخ كلّ من وهران وتلمسان ومستغانم وبلعباس حول النّوازل الجديدة مثل التّصوير الفوتوغرافي وزكاة الخرطال، وينقل لنا مشاهداته. كما أنّ له شبه رحلة أخرى نحو الجزائر في ديسمبر 1940م في إطار اجتماعات أوقاف الحرمين وصاحَبه في هذه الرحلة قدور بن غبريط التلمساني رئيس التّشريفات في المغرب والذي كان مخلصاً للفرنسيين سواء حين ارتبط بهم في الجزائر واستمرت الخدمة والعمالة كذلك في المغرب. وكان ابن غبريط يرأس هذه الأوقاف ويتنقّل في بلاد المسلمين بأمر من المولى يوسف، وهو شخصية تحتاج إلى إعادة البحث فيها لما شابها من الغموض، وقد كان في الوفد محمد بن العربي العلوي وزير العدل السّلفي الإصلاحي وقام بواجب التّعزية سرياً لجمعية العلماء المسلمين التي افتقدت رئيسها ابن باديس منذ ثمانية أشهر فقط، وسبّب له ذلك خلافاً حادًّا مع سكيرج الذي كان يكره الإصلاحيين وردّ على ابن باديس بكتاب ''الإيمان الصحيح في الردّ على مؤلف الجواب الصّريح''، وسبق له أن دخل في مجادلات مع الشيخ محمد بن سليمان الدرقاوي البوعبدلي الذي كان يقطن ندرومة حول مسألة الانسلاخ من الطرق التي يشتهر بها التيجانيون والإذن في الطريقة. إنّ قراءة هاتين الرحلتين تبرزان الحالة الثقافية والاجتماعية للجزائر، كما تبرز الأدوار السّرية التي كانت تقوم بها بعض الشخصيات الصوفية والمسؤولين المغاربة في فترة الاحتلال.