لم يجد يعقوب بُداً من أن يرسل يوسف مع إخوته، لئلاّ يشعروا بأنّ أباه يخشى عليه منهم، فيدبّروا له مكيدة في غيابه، فتظاهر بقبول كلامهم وأرسله معهم على كره ومضض، وما إن غابوا عن عينيه حتّى جعلوا يشتمونه ويضربونه ويهينونه بسيء الكلام وقبيح المقال، ثمّ أجمعوا على إلقائه في غيابة الجب (أي في قعره) وكانت قليلة الماء، فلمّا ألقوه فيه أوحى الله إليه أنّه لابدّ من فرج ومخرج من هذه الشدّة والضيق. ومرّت سيّارة (قافلة) فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه في الجبّ فتعلّق به يوسف، فلمّا نزع الدلو يحسبها امتلأت ماء، فإذا غلام جميل الصورة وسيم الخلق قد تعلّق بها، فاستبشر الرجل، وأسره بضاعة حتّى وصلوا إلى مصر، فباعوه على أنّه عبد رقيق فاشتراه عزيز مصر واسمه (قطفير) من القافلة بثمن رخيص، واحتلّ عنده مكاناً حسناً، بسبب أمانته وحسن خُلقه وصدقه ونزاهته، وكان ذلك على وجه التقريب سنة 1600 قبل الميلاد. أمّا إخوة يوسف فقد رجعوا إلى أبيهم ومعهم قميص يوسف قد لطّخوه بدم شاة ذبحوها، ليوهموا أباهم أنّ الذئب قد عدا على أخيهم فأكله، ولكنّهم نسوا أن يخرقوا القميص وآفة الكذب النسيان فلم يُفلحوا في هذا المكر، ولمّا أتوه بقميصه ملطّخاً بالدم جعل يعقوب يقلّبه وينظر فيه ويقول: ما أحلَم هذا الذئب، أكل ابني دون أن يمزّق ثوبه! وقال لأبنائه { بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً، فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون}. بتصرف، من ''النبوة والأنبياء'' للصابوني