ولعل الغريب في القصة التي تختلف الروايات حولها هو أن هذا الطفل المسمى ''هدارى'' عاش جل عمره مع النعام وبذلك أصبحت قصته شبيهة إلى حد ما بقصة حي بن يقظان أو قصة ''طارزان'' الذي عاش في الغابة لكن بشيء من الاختلاف والتمايز· وقصة ''هدارى'' هي قصة طفل عربي متشبع بالقيم الإسلامية، أكرمه الله تعالى دون الآخرين بكرامات وفضائل انفرد بها وأصبحت لصيقة بشخصيته· وكان ''هدارى'' يشتاق إلى النعام وكانت عبارته المشهورة التي ما تزال عالقة في أذهان الكثيرين ''اشتقت إلى أمهات النعامات''، أي باللهجة الحسانية وبنبرة هدارى ''آماتي النعامات''· تاه ''هدارى'' في مناكب الصحراء وعمره آنذاك لا يتجاوز السنتين وبقي مع النعام 10 سنوات فوجده والداه فاطمة ومحمد، وعمره 12 سنة· ولما وجده أهله كان لا يعرف الكلام فأخذوه إلى الساقية الحمراء ووادي الذهب، حيث زاوية الشيخ ماء العينين، وكان عالما وصاحب حكمة فمسح على رأسه وابتسم له وقال لأهله اربطوا قدميه بحبل ودلوه معكوسا في قعر بئر في الصحراء· فلما فعلوا ذلك صرخ هدارى من الخوف، ومن ثمّ تعلم الكلام فاندمج مع المجتمع وصار يحكي أحداثه وقصصه مع الأسود والذئاب ووحوش الصحراء · وتقول الحكاية والأخبار المتناقلة أن أصله من قبيلة ايدشلي، ويوجد ضريحه على نحو 50 كلم من بلدية تندوف، وكتب سيرته الذاتية الطالب سالم بن إبراهيم، تلميذ العلامة الفاضل المرحوم سيدي بالكبير شيخ زاوية أدرار الشهيرة، وأملاها عليه هو نفسه في مدة قاربت الشهر· وما يزال الكثيرون بتندوف يحتفظون ببعض التفاصيل عن حياة هذا الولي الصالح، ومنهم من عاصره آباءهم ''هدارى''، ولهم من الأفكار والمعلومات التي ما تزال تعكس حياة ''هدارى'' إلى اليوم· ومن كرامته أنه كان يرضع الحليب من أبهمه في صغره عندما تاه عن أهله، فوجد نفسه بين النعام فتربى معه وحصلت له كرامات كثيرة، ومن أحواله وسيره العجيبة أنه كان إذا كسر الزجاج بجانبه أكله ولا يتأذى بأكله· وشابت لحيته دون شعر رأسه، وكلما سُئل عن ذلك قال إن الشيخ ماء العينين مصطفى بن محمد بن مامين صاحب زاوية السمارة بالصحراء الغربية قد مسح بيده الشريفة على رأسه فلم يشب رأسه ببركة الشيخ ماء العينين، وقد عمّر الولي هدارى طويلا قيل عمره ما بين 140 و160 سنة ومن أحواله أيضا أنه كان يأكل الحنظل وشوك شجر الطلح ولا يؤذيه ذلك· وترك ''هدارى'' أولادا منهم من يسكن موريتانيا ومنهم من يسكن حاليا تندوف، وأدى هدارى مناسك الحج حافي القدمين ماشيا، ولم يركب مركبا، كما كتبت قصته الكاملة السويدية مونيكا زاك على شكل رواية سمتها ''الولد الذي عاش مع النعام''· وتوصلنا إلى معلومة بخصوص الكاتبة السويسرية أنها التقت مع ابنه أحمد بتندوف عام 1993 وأخذت من عنده التفاصيل عن حياة هدارى الطفل النعامة، وقد امتلأت الذاكرة الجماعية للمجتمع التندوفي ببعض التفاصيل الجزئية عن هذه القصة الواقعية·