فقدوا الرغبة في العمل بواحدة من أقدم المهن في الجزائر والعالم بأسره.. كانوا يحفظون أسماء الشوارع والأحياء عن ظهر قلب، وينقلون الرسائل إلى كل بيت يوميا مشيا على الأقدام، إلى أن دخلوا في ''عهد جديد'' يميزه تنامي الأحياء السكنية كالفطريات، وتحولت بذلك مهنتهم إلى ''محنة'' حقيقية بعد انفجار النسيج العمراني، إلى أن أصبح إيصال البريد كابوسا يوميا في حياة ساعي البريد. ظاهرة نقل البريد بسيارات الأجرة تهدّد مهنة السعاة سائقو ''الطاكسيات'' يزاحمون 6 آلاف ساعي بريد
أفادت مصادر مطلعة من مؤسسة بريد الجزائر بأن عدد سعاة البريد على الصعيد الوطني يقدّر بحوالي 6 آلاف، موزعين على 3400 مكتب بريد. وتتحدث ذات المصادر عن وجود عدد آخر من السعاة يعملون في إطار التعاقد، سواء بشكل مؤقت أو لفترة زمنية طويلة، حيث تتراوح أجور هذه الفئة من 20 ألف إلى 30 ألف دينار أو أكثر عند إحالتهم على التقاعد. ويشتكي عموم السعاة المستجوبين من عبء المهام المسندة لهم، في ظل انتشار البناءات الفوضوية والتوسعات العمرانية، ومن تدهور ظروف العمل في السنوات الأخيرة، إذ أن مهنتهم لم تواكب التطورات المسجلة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، خلافا لما هو مسجل في باقي الدول المتقدمة. وقالت مصادرنا إن تقهقر مهنة ساعي البريد يقابلها بروز وتفاقم ظاهرة نقل البريد بين الولايات بواسطة سائقي سيارات الأجرة (الطاكسيات)، الذين يقدمون هذه الخدمة غير المقنّنة نظير مبلغ مالي يدفعه الزبون وتحدد قيمته طبيعة البريد نفسه، فربما كانت وثائق مستخرجة من مصالح الحالة المدنية أو طرود خاصة، أو حتى صكوك بريدية. وترى مصادر متطابقة بأن مهنة ساعي البريد فعلا في تراجع بسبب المنافسة غير المعلنة، والتي يفرضها عجز مؤسسة البريد في التكفل بخدمات واحتياجات المواطنين، لقلة الإمكانيات ومحاولات بعض الجهات في تعميق هذا العجز بفتح المجال أمام شركات بريد أجنية للاستيلاء على ''سوق'' البريد الذي يوجه إلى الخارج.