سبق وأن أشرت في هذه المساحة إلى أن أخطر ما قد يصيب الإصلاحات التي ناقش مجلس الوزراء في اجتماعه الماراطوني الأخير بعض مشاريع قوانينها، هو كونها تأتي وقد استهلك الشعب الجزائري كل مخزونه من الصبر.. إنها فرصة الخلاص الأخيرة، ولا فرصة لنا بعدها. وعليه فإن الكارثة كل الكارثة أن يعتقد بعض ''العابثين'' بأن الإعلان عن تلك المشاريع سيعيد الأمور سيرتها الأولى، وسيكفي وحده لإبعاد السلطة عن منطقة الاضطرابات السياسية ولتخليصها من هزة قد تصيبها فتحرق أخضرها واليابس.. هزة لن ينفذ بجلده منها إلا ''طويل العمر''.. هزة لا تنفع معها لا حصانة ولا نفوذ ولا علاقات. لهؤلاء ''المقامرين'' الذين سيفعلون الأفاعيل لاختصار الإصلاحات في حروف ميتة على ورق رخيص، نقول: قليل من الصبر والأناة أيها الأغبياء.. دعوا الجزائر تسترد أنفاسها وتلملم أوضاعها.. دعوها تنعتق من النفق المظلم الذي دززتم بها فيه.. دعوا الجزائريين ''الزوالية'' يتنفسون هواء نقيا بعيدا عن دخان ''سيجاركم'' الكوبي المقرف، وما تنفثه سياراتكم الفارهة من غازات سامة.. ثم عودوا بعدها إن شئتم إلى صراعاتكم التي لم يعد عاقل يفهم أسبابها ولا أهدافها، فكلكم في السلطة وكلكم تسبحون في نعيم ريعها.. لم إذن كل هذه المعارك السياسية التي شوهت الماضي وأنهكت الحاضر وأدخلت المستقبل إلى مغارة المجهول؟ فيم ستنفعكم ''عبقريتكم'' السياسية وخبراتكم في الضرب تحت الحزام عندما يصيب الجزائر ما أصاب جاراتها من ثورات. لهؤلاء المغامرين نقول أيضا: لا تخافوا الشفافية ولا تخشوا من استرجاع الشعب لأدواته الرقابية، قد يحاصر ذلك بؤرة فسادكم، لكنه لن ينهيها، فسيبقى لكم في السلب نصيب، كما بقي لأمثالكم من السراق واللصوص في فرنسا وبريطانيا وأمريكا وحتى اليابان والدانمارك والسويد وألمانيا.. ببعض ذكائكم ستذكرون الحكمة التي تقول ''قليل دائم خير من كثير زائل''، ولو سألتم اليوم أيا من أفراد عائلة طرابلسي التي أكلت في تونس حد التخمة وملأت بطونها حد التورم واستكبرت في الأرض حتى طغت وفجرت، لنصحكم بأن تحويل مائة مليون دولار في بلد هادئ وحر ومستقر، خير ألف مرة من تحويل عشرات المليارات من الدولارات في بلد مصفد ومقهور ومحكوم بالحديد والنار، فأكثر ما قد يهدد الناهب في الحالة الأولى هو السجن، أما في الحالة الثانية فالإعدام والمهانة وفضائح لا عد لها ولا حصر.. وصدق المثل الشعبي الذي يقول ''اسأل طرابلسي ولا تسأل الطبيب''؟