لكم الله يا ضيوف الرحمن، ويا زوار بيته الحرام. تركوكم تتسولون في شوارع المدينة ومكة، و''مسحوا'' بكم أرضية مطار جدة لأيام وليال، حتى صرتم حديث وسخرية العالم. فعلى الرغم من الوعود الكثيرة، والتعهدات المتعددة، لم يستحوا منكم ولم يرقبوا فيكم إلاّ ولا ذمة، وكأنكم أغراب لستم منهم ولا هم منكم. دفعتم الغالي والنفيس وفارقتم الأحباب والأصدقاء وأغروكم بالرعاية والعناية، وأقسموا لكم بأغلظ الأيمان بأنكم ستسكنون فنادق ''فايف ستارز'' فيها كل ما تشتهيه النفس من قرب لبيت الله الحرام وطعام نظيف ونقل مريح بين المشاعر المقدسة والمزارات.. إلا أن كل ما وعدتم به كان سرابا. وبمجرد أن وطأتم أرض السعودية، اكتشفتم تنصل ألسنة بني جلدتكم مما وعدوكم به، وبدأتم تنظرون في وجوه بعضكم البعض، وتضربون الأخماس بالأسداس، وتتهامسون: أين نحن؟ تحاولون يائسين العودة إلى أهاليكم من شدة الإحساس بالغربة والإهمال. ولكن ماذا يفعل الميت بين يدي (غسّاله) إذا كان كل شيء مبنيا على الخداع !.. فرحلة العمرة أو الحج عندنا تبدأ بمعاناة وتنتهي بمعاناة أكبر.. إذ بمجرد الوصول إلى مطار الحجاج، تصاب بالدوار من شدة الصراخ و(التحلال) لاجتياز الحواجز والمحظوظ من كانت له واسطة تبعده عن كل هذه المعاناة. وفي العودة، يفتح المعتمرون والحجاج صفحة جديدة من المعاناة عنوانها (تمرميد) من شاكلة تأخر وصول الأمتعة، أو ضياع براميل ماء زمزم. لكن أين الحكومة وديوان الحج؟ إنها غارقة في التهديدات التي تحولت بفعل سياسة ''اضرب النّح'' إلى شهادات تقدير على جهود تسويد صورة الجزائريين في الخارج، أوسمة على صدور (المتاجرين بالبشر) وأين؟ في أقدس بقاع الأرض. لقد تمادى أصحاب الوكالات ومن يقف وراءهم، في ظلمهم لأبناء وطنهم، وأجزم أن حكومتنا الراشدة تعلم ذلك جيدا لكنها تغض الطرف لأنها هي من أسدى لهم الاعتمادات وتخصص لهم ''كوطات'' الحجيج والمعتمرين، سواء شاء الشيخ غلام الله أو رفض، وسواء أعجب ذلك الشيخ بربارة أم أغضبه. إن مثل هذه الممارسات المضرة بالمواطنين والتي أبطالها جزائريون من بني طينتهم، لا تشرف أحدا. إنها ممارسات الذين يتخذون من خدمة ضيوف الرحمن مطية لحصد الغنائم والعودة من أسواق جدة بأطنان السلع والبضائع، يتم تمريرها على عاتق المعتمرين الذين يكتفون بالسبحات وقارورات ماء زمزم وما رخص ثمنه في سوقي الليل والحرم النبوي. نصيحة لوجه الله، وافهموها كما شئتم: (احشموا وخافوا ربي إن كنتم تعرفونه)، لأنكم لا تحصدون إلا (دعوات) الشر والضر... وعلى المحبة نلتقي.