ماذا دهى السيد سعيد عبادو، الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين، لكي يعود إلى عقلية التخوين، ويتهم مصالي الحاج مجددا بالخيانة، وينعت المصاليين ''بالعملاء'' الموالين لفرنسا؟ لقد تقاطعت هنا مقولة التخوين مع عقلية التآمر. وذلك أمر سائد في الثقافة العربية. فالخيانة والتآمر يتلازمان ويهدفان إلى غرض واحد يختزل بالإبادة. بقتل المختلف رمزيا، وإخراجه من حركية التاريخ. فالمتآمر ينظر إليه كخائن بالطبيعة، والخائن متآمر في الأصل. هذا ما هو قائم للأسف. كيف نفسر تصريحا يعيدنا إلى الوراء، بعد أن اعتقدنا أن السلطة ردت الاعتبار لمصالي الحاج، بشكل نهائي، فانتهى عهد التخوين، واختفت عقلية الاتهام المجاني. نحن لا نريد تاريخا أسطوريا، ونفضل القراءة النقدية على القراءة البطولية. لكن هذا لا يعني أننا نرغب في استمرار عقلية تخوين الرموز. القول بأن مصالي ''خائن''، لا يعمل في صالح الجزء المؤسس للحركة الوطنية، ولروح الثورة نفسها. كما لا يعمل في صالح مصالي الآخر الذي أسس حزب الشعب والمنظمة الخاصة (لوس). وعليه أفضل الحديث عن أخطاء مصالي بعد رفضه الالتحاق بالثورة، وترك المجال مفتوحا أمام استمرار حركية التاريخ من نجم شمال إفريقيا إلى غاية جبهة التحرير الوطني. أعرف أنه من الصعب على جيل الثورة تقبل عدم رمي مصالي بالخيانة. ذلك اعتقاد رسخ في أذهان مفجري الثورة. وبما أن الثورة انتصرت وتحقق الاستقلال، فلماذا لا يبدي المنتصرون نية التسامح؟ فالتخوين ينتشر في الغالب في حالة الهزيمة، وليس في حالة الانتصار. ليس من حق جيل الثورة أن يدفع في اتجاه جعلنا نرث نظرته وتصوّره ومواقفه من مصالي الحاج. نريد أن نكوّن أفكارنا بأنفسنا، عبر قراءاتنا، وبعيدا عن الخلافات التي أدت إلى الاقتتال الأخوي بين أنصار جبهة التحرير والمصاليين. نحن لسنا طرفا في صراع دموي. قرأنا التاريخ في الجامعات كعلم قائم بذاته وتعلمنا كيف نتغلب على الذاتية التي تدفع نحو التزمت والتعصب للذات. التاريخ يصنعه البشر، رجال عاديون، يحققون البطولات، لكن يحدث أن تخور قواهم في بعض اللحظات، فينحرفون نحو الخطأ. وليس هذا سببا لكي نخرجهم من التاريخ ونرميهم بالخيانة. هؤلاء الرجال الذين يدخلون معترك التاريخ ليسوا أبطالا لا يخطئون. البطولة توجد فقط في الأساطير. أما التاريخ فهو عالم الخطأ بامتياز. التاريخ معترك يدخله الإنسان، ولا يعرف كيف يخرج منه. التاريخ تحكمه المواقف الشجاعة، ولحظات الضعف كذلك. كلاهما يسير جنب الآخر. نريد تاريخا يتجنب الضغينة والمحاكمات، وينحُو نحو القراءات والنقاش، فالتخوين يصادر النقاش، ويضع الطرفين المختلفين في نقطة المعركة التي تعني الرغبة في ممارسة القتل ويقتل الروح الديمقراطية التي تؤسس للاختلاف. أتمنى أن يكون ما قاله السيد عبادو مجرد زلة لسان، ونقرأ تكذيبا في الأيام القادمة، إذ لا نريد أن تُعكر أجواء التاريخ من جديد. [email protected]