وأخيرا قُتل العقيد، وإلى هذه المرحلة لم يعد يهم على يد من قُتل: الناتو أو مقاتلي المجلس الانتقالي. لأنه في نهاية المطاف التفكير كل التفكير سينصب ابتداء من اليوم في ما بعد القائد، الذي حكم ليبيا قرابة نصف قرن، والهاجس كل الهاجس الذي سينتاب الليبيين هو هل يمكنهم الجزم بأنه لن يحكمهم مستقبلا قذافي آخر. لأن الثابت المعلوم هو أن كل الثورات المسلحة تأكل أبناءها بشتى الطرق، وأبناء الثورة في ليبيا أمامهم الكثير من التحديات، إما أن يواجهونها بحكمة أو ستأكلهم ثورتهم. التحدي الأول يكمن في معضلة جمع السلاح، المنتشر بشكل رهيب في مختلف المدن والأرياف الليبية، والاعتقاد السائد أن حاملي السلاح لن يتركوه بسهولة، لأن الشرعية، حسب اعتراف محمود جبريل، أحد القادة الجدد، أصبحت شرعية السلاح، فمن يحمل البندقية هو من يحمل الشرعية الفعلية، ولا يمكن للسياسي أن يفرض رأيه اليوم في ليبيا. أما التحدي الثاني فإنه أكثر تعقيدا، بحيث يتعيّن على النظام الجديد إعلان تحرير ليبيا، ولكن تحريرها من قبضة القذافي فقط لن تكون بالعملية الكافية، ما لم تحرر من قبضة المستعمرين الجدد، الناتو من جهة، والتدخل المتزايد لإمارة قطر من جهة أخرى، في الشؤون الداخلية لليبيا، لأن هؤلاء يرون أنفسهم أصحاب شرعية في هذا البلد، وأن كلمتهم لابد أن تكون مسموعة، كيف لا وهم يعتبرون أنفسهم أصحاب الدور الأساسي في إسقاط نظام أمعمر القذافي. هذه التحديات لابد أن تواجه بنظام جديد قوي بقواعده الشعبية التي يضمنها بممارسته الأسلوب الديمقراطي، سوى أن مثل هذا النظام لن يتحقق بالسهولة التي يتوقعها البعض في ليبيا، والاختلاف القائم حاليا في الساحة السياسية ينذر بأن الصراع من شأنه أن يشتد أكثر. فهل ستمر ليبيا بما عاشته الجزائر في العشرية الماضية.. وهنا يكمن التحدي الثالث الذي يجب على أبناء ليبيا مواجهته.