تحول تهريب السلاح في الجزائر إلى نشاط رئيسي لعصابات إجرامية تعمل وراء الحدود الجنوبية والشرقية، والمخيف في ظاهرة تهريب السلاح أنها تحولت إلى تجارة تستهدف تزويد الجزائريين بأسلحة يزداد الطلب عليها بسبب الانفلات الأمني في المدن الكبرى. ساهمت الحرب الأهلية في ليبيا في توفير كميات ضخمة من الأسلحة وبمختلف الأحجام والأنواع وبأسعار رخيصة. وكشف مصدر متابع لنشاط التهريب والإرهاب في الجنوب، بأن أسلاك الأمن والجيش أوقفت 214 متهم بتهريب السلاح في الحدود الجنوبية والشرقية خلال عام 2011، وفككت 10 عصابات متخصصة في تهريب السلاح إلى الجزائر بعضها يعمل لصالح تنظيم القاعدة، وحجزت 1500 قطعة سلاح تقريبا وكميات ضخمة من الذخائر. وتشير تحقيقات مصالح الأمن إلى أن نشاط عصابات التهريب يعكس زيادة الطلب على السلاح لدى الجزائريين، حيث تغيرت أنواع الأسلحة التي تهرّب إلى الجزائر عبر الحدود الجنوبية. فبعد أن كانت إلى سنوات قليلة ماضية أسلحة فردية بسيطة مثل المسدسات وبنادق الصيد، صارت الآن رشاشات من مختلف الأنواع. وتشير تحريات مصالح الأمن إلى أن أهم مصادر السلاح الذي يهرّب إلى الجزائر كانت حتى عام 2011 هي دارفور في السودان والتشاد، وكانت أغلب الأسلحة المعروضة للبيع على المهربين مصدرها حركات التمرد في السودان. وبعد اندلاع الحرب في ليبيا تغيرت الأوضاع، حيث صارت ليبيا المصدر الرئيسي للسلاح نحو الجزائر. وتشير تحقيقات مصالح الأمن أن الأسلحة التي تهرب من ليبيا لا تدخل الجزائر إلا بعد أن يستلمها كبار المهربين الموجودين في شمال مالي من أجل فرض السعر على الزبائن الجزائريين، وباستثناء الجماعات الإرهابية التي تباشر نقل أسلحتها وشرائها بنفسها، فإن كل الأسلحة المهربة من ليبيا نقلت إلى النيجر ثم مالي لتخزينها بسبب خوف المهربين من ضبطها في الجزائر. ''البيريتا'' معشوق البزناسية وللتقرب أكثر من حياة مهربي الأسلحة، استوقفت ''الخبر'' خالد الذي بلغ نصف عقده الخامس، وغادر السجن منذ أشهر قليلة بعد أن قضى 10 سنوات خلف القضبان في قضية حيازة وتجارة أسلحة حربية، بعد أن ضبطت مصالح الدرك الوطني عام 2000 مسدسين وبندقية صيد كان سينقلها إلى ولاية الجلفة لبيعها هناك، قبل أن يتم توقيفه بالطريق الوطني رقم 51 الرابط بين ولايتي غرداية وأدرار في الشاحنة التي يملكها خالد الذي يقول: ''قضيت عشر سنوات تقريبا في تهريب وبيع بنادق صيد ومسدسات من منطقة برج باجي مختار إلى كل من مسيلة والجلفة، وكان أغلب زبائني يطلبون المسدسات خاصة بيريتا، ويقولون بأنه مطلوب بكثرة من رجال الأعمال، وهو من أفضل الأسلحة في العالم بسبب خفة وزنه وكفاءته توفّر ذخيرته، فهو المسدس الأكثر انتشارا في الجزائر مع المسدسات الروسية، كما أنه المسدس الرئيسي لدى الشرطة الجزائرية، ويباع عادة بسعر يتراوح بين 8 و10 ملايين، وتباع معه 10 طلقات، ويشترط الزبون تجريب المسدس مع المشتري قبل تسديد الثمن، ولا يزيد سعر البيريتا في مالي عن 2 مليون. بورصة أكاوان في مالي يتوفر السلاح بكل أنواعه، حسب خالد. وأهم سوق للسلاح هو سوق ''أكاوان'' وهي منطقة صحراوية تقع شمال غرب مدينة ''قاو'' المالية وتبعد عنها بأقل من 80 كلم، ويلتقي التجار من بوركينافاسو والجزائر ومالي وتشاد وحتى من السودان هناك. وتعتبر أكاوان بورصة يتم تداول مختلف قطع السلاح الموجه لتلبية طلبات عصابات الإجرام والتهريب في شمال إفريقيا، وهناك لا يسمح لمن يشتري قطعة أو قطعتين بالحديث إلى التجار، إذ يدور الحديث بما لا يقل عن 10 قطع، ويباع كل شيء في هذه النقطة الصحراوية التي تحيط بها وتحميها جبال من المسدسات وقاذفات ''الأربيجي''. وبالنسبة لمن يرغب في شراء قطعة أو قطعتين، فما عليه إلا التوجه إلى مدينة قاو أو تمبكتو أو إلى منطقة غرونو قرب قرية الخليل المالية، أين تباع الأسلحة الفردية. كما تباع الأسلحة أيضا في مناطق سماكة وطاسرا واللوبيرات والسبيل بالنيجر. كلمة السر أو الموت وعلى مسافة 60 كلم داخل الأراضي المالية وقبالة مدينة برج باجي مختار، في ممرات جبلية ضيقة، تنطلق سيارات مهربي السلاح نحو الجزائر، وقبل الانطلاق، يقول خالد: ''يجب عليك أن تتوقف أسفل الجبل وتسير على قدميك لمسافة كيلومتر واحد تقريبا وفي منطقة صخرية، ليستقبلك مسلحون يتكلمون كل اللغات الترقية والحسانية والهاوسا والعربية ويسألونك عن كلمة المرور تماما مثل الجيش. ولا يمكن لمن لم يتعود على شراء السلاح التعرف على كلمة السر لأنها جملة طويلة من اللغة الترقية تتغير كل شهر أو 15 يوما''. ويتابع خالد ناصحا: ''بعدها ستكمل الطريق حتى تصل إلى موقع مخفي بين الجبال وتطلب من التاجر ما تريده من سلاح وتفاوض على السعر قدر المستطاع، وبعدها يقول لك التاجر هل تستلم بضاعتك هنا أم في الجزائر. وإذا قررت الاستلام في الجزائر، فإن السعر يتضاعف تماما. 20 سلاحا يباع في الجزائر تشير إحصاءات مصالح الأمن إلى أن المهربين يهتمون ب20 نوع سلاح أغلبها روسي الصنع أهمها وبلا منازع الكلاشنكوف الذي يتراوح سعره بين 10 و30 مليون سنتيم حسب الدولة المصنعة له. وحسب سنة الإنتاج وحسب الأخمص، إن كان من مادة الحديد أو من الخشب وإن كان قابلا للطي أم لا، ويسمى أغلى الأنواع باسم ''النجمة'' لأنه يحمل نجمة للدلالة على أنه مصنوع في روسيا. ويقول خالد إن الكلاشنكوف لوحده يتكون من مجموعة تضم14 نوعا. وتعد بندقية ''غرانوف'' الروسية هي الأخرى الأكثر طلبا، وهي مخصصة للقنص ويمكنها إصابة هدف بدقة عالية من بعد 1, 5 كلم ويصل سعرها إلى 90 مليون سنتيم وذلك حسب الملحقات التي ترافقها وفي مقدمتها المنظار الذي يساعد على تحديد الهدف بدقة. وحسب تحقيقات أجهزة الأمن، وفي 90 بالمائة من الحالات، فإن رشاش الكلاشنكوف يباع لعصابات التهريب أما المسدسات، فيكثر الطلب عليها في العاصمة وهران وعنابة من قبل التجار ورجال الأعمال. أما البنادق ''ميزر'' و''خرطوش'' التي تسمى ''الزويجة'' فيكثر عليها الطلب في السهوب والجنوب وتهرب من مالي عبر بنين وغينيا بعد استيرادها من ألمانيا وإسبانيا والهند، ويصل ثمنها إلى 40 مليون.
قنابل تقليدية لتصفية الحسابات بين تجار مدينة العلمة ورشات سرية لصناعة الأسلحة وطلب متزايد على المسدسات الآلية
تطرح عمليات زرع قنابل تقليدية على مستوى أحياء مختلفة بمدينة العلمة، في السنتين الأخيرتين، الكثير من علامات الاستفهام حول هوية من يقفون وراءها، خاصة تلك التي زرعت بحي ثابت بوزيد وسط المدينة نهاية شهر ديسمبر الماضي وتم تفكيكها من طرف مصالح الدرك. تشير مصادر مطلعة إلى أن هذه العمليات ما هي سوى تصفية حسابات بين رجال المال والأعمال بأكبر قطب تجاري في البلاد المشهور باسم ''شارع دبي'' بالعلمة، خاصة وأنه يحصي أكثر من ألف مستورد لجميع المنتجات من دول مختلفة أبرزها الصين. وغير بعيد عن المدينة تشتهر مناطق جنوب ولاية سطيف بانتشار ورشات سرية لصناع الأسلحة والذخيرة التي تستعمل في الصيد وعمليات السطو والسرقة. وتؤكد مصادر محلية ل''الخبر'' أن ثمن هذه الأسلحة يتراوح بين 4 إلى 5 ,6 مليون سنتيم حسب النوعية والطلب دون احتساب الذخيرة، إذ يزيد الثمن بشكل كبير حين يتم بيعه في المناطق الحضرية بسبب مخاطر النقل وحواجز الأمن. ورغم تأكيد مصالح أمن ولاية سطيف، على عدم ورود أي معلومات حول انتشار السلاح بالولاية، إلا أنها أكدت في مقابل ذلك دخول أنواع خطيرة من مسدسات الصعق الكهربائي التي تستعمل في السطو والابتزاز. وتذهب مصادر أخرى إلى كثرة الطلب حاليا على الأسلحة الأوتوماتيكية التي تدخل من دول الساحل وخاصة ليبيا عبر المعبر الحدودي في ولاية الوادي، في الوقت الذي تمكنت مصالح الدرك من تفكيك العديد من الورشات السرية في جنوبسطيف وتحديدا على الحدود مع باتنة منذ بداية السنة الماضية. وقد تم خلال عملية المداهمة التي استهدفت تلك الورشات حجز 10 مسدسات كاملة، وكميات معتبرة من البارود، وآلة للحشو تستعمل في صناعة الخراطيش. وكشفت هذه العمليات النوعية أن المناطق الجنوبيةلسطيف والتي تعتبر من أفقر مناطق الولاية، أخذت منحى تصاعديا في مجال تكوين جماعات كثيرة تختص في المتاجرة بالأسلحة وصناعة مستلزمات الذخيرة الحية، إذ اكتشفت مصالح الدرك الوطني بذات المنطقة ورشة لصناعة الأسلحة، تلاها العثور على مسدس تقليدي الصنع على متن سيارة تم توقيفها بحاجز ببلدية البلاعة، الواقعة شرقي الولاية. ويمتد نشاط هذه العصابات، حسب الدرك الوطني، عبر عدة بلديات بولاية سطيف، أهمها بئر العرش والعلمة وحمام السخنة ومنطقة عين الطريق. وبعد تحقيق معمق واستنطاق للعناصر التي تم القبض عليها، توصلت مصالح الدرك إلى زعيم الخلية المختصة في صناعة الأسلحة ببلدية بيضاء برج، حيث تم مداهمة ورشته السرية وعثر فيها على معدات وتجهيزات يتم استعمالها لصناعة الأسلحة، إضافة إلى استرجاع مسدس ثان وبندقية صيد موجهة للبيع، بالإضافة إلى عيارات نارية من مختلف الأحجام، كما تم القبض على 8 أشخاص آخرين بنفس التهمة. وتؤكد مصادر أمنية أن هذه المجموعة كانت وراء كشف الكثير من الورشات للأسلحة الحربية ومواد الذخيرة، التي صارت عملة رائجة تدر الملايين على أصحابها، حيث تباع بطريقة منظمة للكثير من الجهات خاصة الإرهابيين، بدليل تورط 3 إخوة بقرية راسيسلي التابعة لأولاد تبان جنوبي ولاية سطيف كانوا مسبوقين في قضايا دعم وإسناد الإرهاب في صناعة المتفجرات والقنابل التقليدية. وأعلنت مصالح الدرك في نفس السياق حجز 33 خرطوشة من عيار 16 ملم، 5 كلغ من مادة الرصاص، كيلوغرام من مادة البارود، إضافة إلى 79 كبسولة و162 ظرف خراطيش ذات عيار 16 ملم، كما ضبط الدركيون داخل المسكن حزاما وأدوات تستعمل في حشو الخراطيش.