تجارة السلاح.. عبارة لم نكن في الماضي القريب نسمع عنها إلا في الأفلام والمسلسلات، ولا تقترن إلا بعصابات المافيا الإيطالية أو الأمريكية.. يخاف الواحد منا بمجرد التفكير في امتلاك سلاح فردي، لكنها أصبحت على مرّ السنين جزءا لا يتجزأ من تجارة السوق السوداء الجزائرية على غرار تهريب المخدرات؛ إذ كشفت التحقيقات الميدانية لمصالح الأمن، تداول رجال العصابات على مستوى مختلف ولايات الوطن المئات من قطع السلاح الفردية منها والرشاشة، وذلك من خلال القضايا والإعترافات التي تم الإدلاء بها من قبل العناصر المتورطة، أو الحقائق التي أثبتها الواقع عبر عدد من المدن الداخلية في رصد قامت به ''النهار'' في عدد من مناطق الوطن خصوصا مع الأزمة الليبية دخول الأسلحة إلى السوق من الحدود الجزائرية الليبية مؤخرا عرف تدفق السلاح المهرّب من البلد المجاور ليبيا في المدة الأخيرة، تصاعدا كبيرا، مما أقلق السلطات الأمنية الجزائرية بمختلف أسلاكها، أين قامت بتشديد الخناق على جل المناطق الحدودية، ما أدى إلى وضع القوات الأمنية في حالة استنفار من خلال تكثيف الدوريات ونصب الحواجز الأمنية في المناطق الساخنة والتي تعتبر أهم ممرات المهرّبين، كما هو الحال لفج تنوكلة والخنقة شرق تبسة؛ تحسبا لتدفق تهريب أسلحة من الجماهيرية الليبية التي قد تكون موجهة إلى معاقل الجماعات الإرهابية المسلحة بمناطق الجنوب. وفي هذا الشأن، سبق للقوات الأمنية منتصف الشهر الماضي، عقب اشتباكات دامية مع مجموعات مسلحة، أن أوقفت 3 أفراد من جنسيات ليبية وتونسية يقومون بنقل السلاح على متن سيارات رباعية الدفع نحو منطقة أم الكماكم جنوب ولاية تبسة للجماعات الإرهابية المسلحة التي يعتبر معقلها الرئيسي، كما سبق لعناصر الدرك الوطني بالولاية السنة الماضية أن فككوا خلية تتكون من 6 أشخاص على مستوى إقليم بلدية بئر مقدم بتهمة إنشاء ورشة لصناعة الأسلحة، حيث تم ضبط 5 بنادق ومعدات مختلفة وتجهيزات يستغلها أفرادها لصناعة الأسلحة من الصنف الخامس. شبكات مغربية إفريقية تغرق السوق السوداء الجزائرية بالأسلحة ساهمت الأحداث الأخيرة التي وقعت بليبيا في تنام كبير لتجارة الأسلحة واستثمرت عصابات التهريب والإرهابيين في الأوضاع ومعها تراجعت الأسعار الخاصة بالأسلحة التي تهرّب على الحدود الجنوبية بسبب كثرة العرض وقلة الطلب أمام حالة التشديد التي تفرضها قوات الجيش الوطني على كامل الشريط الحدودي بالجنوب الذي يعد المصدر الرئيس لتموين السوق السوداء بالسلاح. ''النهار'' وخلال تحقيقها في الموضوع، تبين أن أباطرة السلاح الكبار الذين يزودون السوق الجزائرية من الخارج؛ معظمهم من دول إفريقية التشاد، مالي، النيجر والمغرب، في حين يستثمر الجزائريون المرتبطون بهذه الشبكات في تجارة الأسلحة عن طريق شبكات أخرى مكلفة بالتوزيع والتسويق داخل الوطن. الكلاش ب4 ملايين والمسدس ب5,2 ملايين في الصحراء حسب المهتمين بهذا الجانب من مواقع البيع، فإن البيع يتم في مناطق حدودية، لذا فإن السعر يكون منخفضا، حيث يقدر ثمن ''الكابوس'' ب5,2 مليون و''الكلاش'' ب4 مليون دون حساب ثمن الذخيرة، أما بالداخل أو في المناطق الحضرية، فإن السعر يكون مضاعفا بفعل مخاطر حقوق التوصيل والتهريب، وحسب المعلومات التي استقتها ''النهار'' لدى مصالح الأمن، فإن المغاربة يقومون بتهريب ''الكلاش الروسي'' الذي يقدر ثمنه ب10 مليون سنتيم لنوعيته الرفيعة، فيما تم مؤخرا تحويل شبكة من 8 أفراد للقطب الجزائري في ورڤلة بتهمة المتاجرة في الأسلحة وتهريب المخدرات، فيما وجهت مصالح الأمن برقية تحث على المراقبة الأمنية للأثرياء دون نشاط مهني واضح، وهم عادة أباطرة السلاح والمخدرات، كما جاء في التعليمة، أن التوقيف يجب أن يكون في حالة تلبس وليس لمجرد الشك. أسلحة نارية في أيادي المهرّبين والإرهاب والحراڤة.. اشتروها من السوق السوداء بالرغم من الإجراءات العقابية التي أقرتها السلطات الجزائرية ضد بائعي ومالكي الأسلحة النارية غير المرخصة، إلا أن ذلك لم يردع مافيا التهريب وتجار الموت من تهريب والإتجار في الأسلحة، فقد تمكنت مصالح الأمن مؤخرا من إحباط عدة عمليات التهريب وإفشالها في العديد من الممرات سواء عبر الموانئ أو الحدود البرية. كما تم تفكيك عدة شبكات دولية مختصة في تهريب السلاح والذخيرة ما لا يقل عددها عن 20 فردا مع استرجاع العديد من المسدسات وحجز كميات معتبرة من البارود الأسود، إلى جانب العديد من بنادق الصيد وآلاف الخرطوشات، وأبرز الأسلحة المهرّبة تكون من أنواع المسدسات بيا، سيطا، بيريطا، فال، ماك، وكذلك كلاشينكوف وبنادق من عيار 36 ملم، فتجارة الأسلحة في السوق السوداء تكون حسب طبيعة البائع واحتياج المشتري؛ إن كان ثريا في بحاجة ماسة لشرائه من هذه النقطة يستطيع البائع وضع سعر لسلاحه، كما يستطيع بيعه بأثمان بخسة وخاصة إذا كان محتاجا لثمنه أو كان السلاح مسروقا، حيث لا يكون سعر السلاح ثابتا في معظم الحالات. ومن جهة أخرى، ورغم تلك الإجراءات الصارمة التي وضعتها المصالح الأمنية لمكافحة الإتجار في الأسلحة، إلا أنه لم يمنع الشعور بالقلق بين المواطنين وحتى المصالح الأمنية نفسها، بحيث أضحي السلاح يستعمل في عمليات الإجرام والسطو، حيث سجلت المصالح الأمنية وخاصة في المناطق الحدودية بين تبسةوتونس لعدة مرات، تبادل إطلاق نار بين المصالح الأمنية والمهربين.. ليبقى السؤال المطروح: من أين حصلوا على السلاح لو لم تكن هناك سوق تبادلية؟ فحسب أقوال بعض المهرّبين من بئر العاتر المضطرين لشراء سلاح ومنه المرخص، ضرورة حتمية. ورشات سرّية في الحدود بين ولاية سطيفوباتنة وراء انتشار المتاجرة في الأسلحة اشتهرت منطقة بيضاء برج جنوب ولاية سطيف بورشات سرية لصناعة الأسلحة التقليدية، لاستعمالها في الصيد كالبنادق والمسدسات، وتعبئة الذخيرة المستعملة للصيد خاصة، أو في ألعاب البارود والخيالة، واستغلت بعض العصابات ذلك لاستعمالها في عمليات إجرامية، وهو ما كشفته التحقيقات الأمنية التي قادتها مصالح الدرك الوطني خلال السنوات الأخيرة، حيث تمكنت بعد توقيف سيارة وللإشتباه فيها وبعد تفتيشها تم العثور على قطعة سلاح نارية من نوع مسدس تقليدي، وبعد التحقيق مع المتهم وسائق السيارة، تم الكشف عن شبكة المتاجرة بالأسلحة يمتد نشاطها عبر عدة ولايات. كما كشف التحقيق مع باقي الموقوفين إلى الوصول إلى رأس العصابة وصاحب ورشة صناعة الأسلحة ببلدية بيضاء برج وبعد مداهمة الورشة، تم اكتشاف معدات تجهيزات لصناعة الأسلحة ومسدسات وبنادق صيد بالورشة موجهة للبيع، كما تم العثور على عيارات نارية من مختلف الأحجام، حيث تم توقيف 7 أشخاص تم تقديمهم إلى العدالة، وفي عملية مماثلة بعد توقيف سيارة بالحاجز الأمني، وبعد تفتيشها تم العثور على قطعة سلاح بندقية صيد تقليدية لشخص ينحدر من منطقة العلمة، وبعد التحقيق معهما، كشفا عن خيوط العصابة التي تنحدر من بلدية بيضاء برج وبعد الحصول على إذن من وكيل الجمهورية، تم مداهمة منازل العصابة وتوقيف 6 أشخاص آخرين، كما تم حجز قطع سلاح نارية تقليدية، وقامت مصالح الدرك بتفكيك شبكات أخرى بمنطقة بيضاء برج في الحدود مع ولاية باتنة وخاصة رأس العيون وبريكة المعروفة لدى الأوساط الشعبية بتاجرة بالأسلحة، وكذا حجز كمية من الذخيرة الحربية من نوع ''البارود'' بلغت حوالي 2 كلغ، في الوقت الذي استرجعت ثلاث بنادق صيد كبيرة، وذلك في حاجز أمني تم نصبه من طرف مصالح الدرك بمدخل بلدية بئر حدادة، بعد تفتيش سيارة، وبعد التضييق من طرف مصالح الدرك الوطني. المتاجرة في الأسلحة تتصدّر أروقة المحاكم مؤخرا تمكنت مصالح الأمن من إحباط العديد من عمليات تهريب السلاح نحو تونس عبر الحدود البرية لولاية الطارف، وكذا إحباط محاولات أخرى لإدخال السلاح والذخيرة إلى التراب الوطني عبر نفس الحدود، حيث تم تسجيل في شهر فيفري المنصرم عملية إحباط لتهريب أسلحة ثقيلة وخفيفة ''كلاشينكوف'' و''مسدسات'' وذخائر كانت على متن سيارتين. العملية التي قامت بها عناصر من الجيش التونسي على بعد أميال فقط من الحدود التونسيةالجزائرية والتي كانت موجهة إلى السوق السوداء المحلية الجزائرية. عالجت محاكم الطارف 9 قضايا خلال العام الجاري، متعلقة بحيازة الأسلحة النارية والذخيرة وترويجها وتهريبها خلال العام المنصرم والجاري آخرها كانت محاكمة 6 أشخاص بتهمة ترويج السلاح وتهريبه بمحكمة بوحجار، حيث تم توقيفهم من طرف رجال الدرك إثر معلومات مؤكدة وتحريات دقيقة أفضت إلى اعتقال أفراد الشبكة في حاجز أمني على الحدود الجزائريةالتونسية بولاية الطارف، حيث تم ضبط بحوزتهم أسلحة نارية، مسدسات وبنادق صيد وذخيرة 1500 خرطوشة حية، وخراطيش صيد عيار 12ملم و16 ملم، إلى جانب كمية من مسحوق البارود الأسود. في حين تمكنت المصالح الأمنية لدرك الوطني على مستوى خمس ولايات من الشرق الوطني من الحجز على 82 قطعة سلاح ناري. قال إن التجارة غير الشرعية للسلاح تدخل عن طريق التهريب : اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد: ''السوق السوداء مصدر كبير لتموين الجماعات الإرهابية بالسلاح'' قال اللواء المتقاعد، عبد العزيز مجاهد، أن مصدر تموين الجماعات الإرهابية بسلاح يأتي من السوق السوداء التي تعتبر الممون الأساسي لها. وأضاف العسكري السابق، في اتصال ب ''النهار''، أمس، أن أغلب الأسلحة المتداولة في السوق السوداء، تدخل عن طريق التهريب إلى جانب المخدرات ومختلف المواد التي يتم تهريبها، كما قال أنه ليست لديه إحصائيات رسمية في هذا الصدد لكونها يصعب حتى تقديرها، لكون هذا النوع من التجارة يهدّد الدول والمجتمعات، أي تصبح غير آمنة، لكن وفي نفس السياق اعتبر اللواء المشكل يخص المجتمع، كله في ظل غياب الوعي والإنسجام بين أفراد المجتمع. كما أوضح الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية، أن هذه التجارة تتزعّمها عصابات قد تكون أجنبية أو وطنية تقوم بالتجارة في السلاح بطريقة غير شرعية، كما أكد المتحدث أن الأزمة الليبية قد تساهم في إنعاش سوق السلاح في المنطقة وليس في الجزائر فقط، بحكم تردي الأوضاع هناك. ورفض اللواء الخوض كثيرا في تفاصيل الموضوع لكونه شائكا ويتطلب الكثير من البحث حسبه، خصوصا في ظل غياب إحصائيات رسمية، بخصوص هذه الأخيرة، ودعا في الأخير إلى البحث ومعرفة كيف تنشأ هذه العصابات والأسباب المؤدية إلى نشاط مثل هذه التجارة الخطيرة إن وجدت حسبه.