انطلقت الحملة الانتخابية للتشريعيات بشكل غير رسمي، ودخلت قيادات أركان الأحزاب السياسية في حالة طوارئ وتأهب قصوى، وكثرت الاجتماعات المغلقة لتحليل الواقع الجديد وأساليب التعامل معه، فيما بدأ بعضها في مغازلة مشاهير من الأوساط الرياضية والفنية والإعلامية في محاولات لإقناعهم بالترشح تحت مظلتها لتزيين قوائمها واستمالة الناخبين.. وإذا كان هاجس ''العزوف'' قد سكن منذ مدة كل الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية في السلطة والأحزاب، فإن هاجس ''الفشل'' بدأ يسكن قيادات التشكيلات السياسية وخاصة منها التي تسمى ''الأحزاب الكبيرة''. ويأتي تخوف هذه الأحزاب من كونها تدرك أكثر من غيرها أن نتائجها في الانتخابات السابقة لم تكن أبدا تعكس مكانتها الحقيقية وتجذرها في أوساط الشعب، ولكن مجرد ''كوطات'' تتحصل عليها حسب درجة الولاء ومدى رضا السلطة عنها. ولأن الانتخابات هذه المرة ستجرى في ظروف مغايرة لسابقاتها محليا وإقليميا ودوليا، و''قد تكون نزيهة وشفافة'' بدرجة ما، فإن احتمال وضع كل واحد في حجمه الحقيقي أمر وارد. وفي كل الأحوال، فإن العودة إلى الوراء لم تعد ممكنة، والتشريعيات القادمة، إذا لم تأت بالتغيير، فإنها قد تكون الانطلاقة نحو هذا التغيير، وهو أمر كاف لإثارة ''الفزع'' في أوساط الذين لم يكن التداول على السلطة بالنسبة لهم سوى شعار يرددونه دون قناعة، ويتشبثون بالسلطة بمختلف الطرق والأساليب بما فيها غير الشرعية. عندما تلوح في الأفق بوادر ''احتمال'' نهاية عهد التزوير وهيمنة الإدارة والانتخابات ''المخدومة''، تضطرب قيادات أركان أكثر من تشكيلة سياسية، لأنها في حقيقة الأمر لم تقم على مدى السنين بتكوين مناضلين حقيقيين، بل رجال هياكل يلهثون وراء المصالح الشخصية ويتعلمون من أجل ذلك كل أساليب ''التخياط'' التي يمارسونها حتى داخل أحزابهم في صراعات التموقع وتحييد هذا المنافس أو ذاك. وحتى عندما روجت الأحزاب في السنوات الماضية لخطاب الأولوية للكفاءات، انتقت هذه ''الكفاءات'' من الجامعيين الذين لا يسببون مشاكل مع السلطة، ولا يعرفون الطريق نحو باب الخروج عن بيت الطاعة، والنتيجة مجالس بمنتخبين بعضهم قد ''يهمل'' ولا يجد الطريق في أزقة المدينة التي انتُخب فيها، فما بالك بالتفكير في مشاكل مواطنيها وحلولها. الأكيد أن مخاوف الأحزاب في هذا الظرف كبيرة، وهواجسها متعددة، لأنها في الواقع لم تمارس السياسة كما يجب أن تكون. [email protected]