عندما تتصدّر الرداءة واجهة المشهد السياسي، ويستشري الفساد وينشر خيوطه كالعنكبوت في كل القطاعات وعلى جميع المستويات، يكون من السذاجة أن ننتظر التغيير بمجرد إحداث تعديلات شكلية في بعض النصوص القانونية. لقد أعلنت السلطة عن الإصلاحات مرغمة بفعل التذمر العام لدى المواطنين، وبتأثير التحولات التي تعرفها العديد من مناطق العالم وخاصة في الجوار، لكنها كالعادة لجأت إلى الترقيع الذي يسمح بربح الوقت ولا يمس جوهر الأشياء. لقد كان المواطن ينتظر تغييرات ''جذرية وعميقة'' تحسن واقع حياته وتواجه التسيّب واستغلال النفوذ وكل السلوكات المنافية للقانون، وتوفر شروط بروز نخب جديدة تعوّض الطبقة السياسية الحالية التي أثبتت فشلها. لكن، وبعد حوالي سنة من الإعلان عن هذه الإصلاحات، لم يتلق المواطن شيئا، اللهم إلا ما يسمع من حين لآخر من مهاترات ونقاشات فارغة بين نفس الوجوه السياسية حول أمور شكلية، ومايزال المواطن ينتظر الملموس الذي قد يعيد جزءا من الثقة المفقودة بينه وبين أولي أمره. وتتحمّل السلطة المسؤولية الكاملة في فقدان ثقة المواطن لأنها زوّرت الانتخابات، ولأنها أغلقت المجال السياسي، وعملت بمختلف الطرق والأساليب، على تحييد كل من له رأي مخالف، من منطلق ''من ليس معنا فهو ضدنا''. وتعاملت مع مختلف الأوضاع بالحلول الظرفية التي تضمن استمرارها، وتؤجل المشاكل ولا تحلها، دون الاكتراث بتداعيات ذلك. ونعرف أن بعض الأوساط في السلطة دعمت الحركة الإسلاموية، في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، ليس حبّا فيها أو قناعة بأفكارها، وإنما لاستعمالها في ضرب اليسار، وقد دفعنا ثمن ذلك غاليا في السنوات اللاحقة. وللأحزاب أيضا مسؤولية كبرى في الانحطاط السياسي، وفي انسحاب الكفاءات النزيهة من العمل النضالي، وفي عزوف المواطن عن الفعل الانتخابي، لأن أغلب الأحزاب بلا برامج، أو بالأحرى ببرنامج يتلخص في جملة واحدة ''المساندة المطلقة لكل ما تقوم به السلطة''. ولم يكن صوت المواطن يهم أغلب الأحزاب سوى من الناحية الديماغوجية والشكلية، لأنها تدرك أن ''الكوطة'' من عدد المقاعد في المجالس ومن المناصب لا يحددها صوت الناخب، بل ''أصحاب القرار'' الذين تبيعهم ثمن الولاء. وعندما تكون الممارسة السياسية بهذه الصورة، يتصدّر واجهة المشهد السياسي من لهم القابلية لبيع الذمم، وقد رأينا في المقاعد الأمامية عبر الكثير من الولايات ''بزناسية'' لا يفقهون في السياسة شيئا، بل وحتى مسبوقين ومتابعين قضائيا انضموا لبعض الأحزاب ولجان المساندة للاستثمار أو لضمان الحماية من سلطان القانون. وعندما تكون الممارسة السياسية بهذه الصورة، واضح يا سادتي في السلطة والأحزاب أن ''العزوف نتاج لسياساتكم''، والكرة في مرماكم.. فما أنتم فاعلون؟ [email protected]