لم أعد أذكر أين كتب ألبير كامي هذه الجملة العميقة، والتي ظلت محفوظة في ذاكرتي. استعدتها مؤخرا، وأنا أقرأ كتاب الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري حول ألبير كامي بعنوان ''النظام العبثي'' (إن صحت هذه الترجمة). والجملة التي أقصد هنا، هي: ''لا أريد إلا شيئا واحدا. وأطلب ذلك بكل تواضع، اقرأوني بانتباه شديد''. ويبدو أن الفيلسوف ميشال أونفري، قرأ كامي عملا بوصيته. قال كامي مقولته الشهيرة هذه، لكي يحذّر القراء من غباء جان بول سارتر الذي كان يتربص به في الصالونات الباريسية التي خضعت له خضوعا أعمى. كان سارتر يكره كامي وينظر إليه كوصولي جاء من الجزائر ليزعزع عرشه الفلسفي. وبلغت عداوة سارتر لكامي، أنه صرح قائلا: ''من يكون كامي؟ إنه فيلسوف الأقسام النهائية''. هكذا أراد سارتر البرجوازي، المتمرد السطحي. إذ دفعته الغيرة إلى براثن الخطأ. واعتبر كامي، ابن الهامش الفرنسي، القادم من المستعمرة، مجرد كاتب من الدرجة الثانية اختلف الرجلان ونمت العداوة بينهما بسبب الغيرة أولا، ثم بسبب السياسة. سارتر ظل شيوعيا وستالينيا وكان يردد ''إنّ المناهض للشيوعية كلب''. أما كامي فكان ينظر إلى الشيوعية باعتبارها مرضاً حضارياً وينعتها بالجنون. ولما كتب كامي كتابه الشهير ''الإنسان المتمّرد'' وجّه سهام نقده ضد من يبرّرون القتل، وكل المثقفين المتواطئين مع الشيوعية، أي سارتر الذي تهجّم على كامي عقب نشر الكتاب، واستغل كاتبا شابا لا يتجاوز عمره خمسة وعشرين عاما يدعى فرنسيس جيزون، ودفعه لكتابة مقال فاضح وتهجمي، فرد كامي متوجها لسارتر (وليس لجيزون)، الذي رد بدوره بشكل غبي ومنفلت، وكتب ما يلي: ''لم تكن صداقتنا سهلة، وإن كنت سأفقدها. إذ أنهيتها اليوم''. لقد قام سارتر بافتراس كامي وكاد يحطمه، كما استنتج رونالد أرونسون في كتابه ''كامي وسارتر'' (نقله إلى العربية شوقي جلال). وأدلت سيمون دي بوفوار بدلوها، وتهجمت على كامي في رواية بعنوان ''المانداران''، وشاءت أن تصفي حساباتها معه، بعد أن ردها، ورفض أن تكون عشيقة له. أراد سارتر تحطيم كامي وحقق ما أراد، إذ يستنتج أرونسون في ذات الكتاب أن كامي أصيب بخيبة كبيرة، ودارت مواضيع قصصه خلال تلك الفترة حول العزلة والمعاناة والعقم الفني نتيجة لما تعرض له، لكن أونفري أراد عكس ذلك. فبعد أن هدم قداسة وهالة سيغموند فرويد في كتاب سابق، ها هو يلتفت إلى سارتر. يعتبر أونفري أكثر الفلاسفة الفرنسيين تأثيرا اليوم. يقف عند يسار اليسار في المكانة التي تناهض الفلاسفة اليمنيين الجدد. فهم يمثلون سلطة الأيديولوجية. أما أونفري، صاحب الجامعة الشعبية والمجانية، فهو مثقف يمثل سلطة الحقيقة والنزاهة، وهو من المفكرين الذين استنكروا الدجل الفلسفي. داعيا إلى خطاب إنساني تنويري، لا يرى من زاوية عنصرية بقدر ما ينظر إلى الأمور من زاوية إنسانية. ويعتقد أونفري أن كامي ربح المعركة بعد موته ضد سارتر الذي تهاوى صرحه الفلسفي، فأعماله أصبحت لا تقرأ كثيرا على عكس أعمال كامي الذي بقي مفكر كل العصور. لكن الغريب، أن كل المثقفين الفرنسيين تهجموا على سارتر في المدة الأخيرة، بمن فيهم تلامذته السابقين الذين تحولوا إلى صف اليمين. فهذا آلان فينكينرولت يعتبره بمثابة ''منظر العنف الثوري''. معتبرا أن كتابة مقدمة كتاب ''المعذبون في الأرض'' لفرانز فانون بمثابة ''حماقة فكرية''. ومن جهة أخرى، يحاول برنارد هنري ليفي بدوره استعادة كامي لصفه، بالأخص فيما يتعلق بمواقفه المناهضة للعنف الثوري خلال ''حرب الجزائر'' لكن ميشال أونفري أراد عكس ذلك، وجاء كتابه لتخليص كامي من محاولات تقريبه إلى أطراف فلسفية عنصرية [email protected]