يجب الاعتراف بأن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني لم يخطئ عندما ''تنبأ'' بأن حزبه سيحدث المفاجأة، وهذا خلال تنقلاته في الحملة الانتخابية التي لم يظهر فيها كثيرا، إلا وهو محاطا بحراسة أمنية مشددة خوفا عليه من بطش مناضلي حزبه، الذين حاصروه في عقر داره بحيدرة، ثم منعوه من تنشيط تجمع في مدينة تلمسان. ولم يكن الخوف على بلخادم من منافسيه أو بقية أفراد الشعب الجزائري، الذين قرروا مقاطعة الانتخابات. لا يمكن القول إلا أن عبد العزيز بلخادم فاز في المنافسة التي شارك فيها ما يقترب من ثلث الناخبين، بفضل وصفة ''سحرية'' جعلته يحصد كل تلك المقاعد، التي جعلت حزبه ''القوة السياسية الأولى'' في الجزائر، مع كل التحفظات حول طبيعة السياسة التي تمارس فيها. تفيد الأرقام التي أعلن عنها وزير الداخلية أمس بأن الجزائريين لم يشاركوا في الاقتراع على العموم، ومنهم بالتحديد 1668507 ناخب أدخلوا أوراقا انتخابية في الصناديق الشفافة لكنهم لم يمنحوها لأي من المتنافسين لأنها ألغيت لمختلف الأسباب. مما يعني أن 14154990 ناخبة وناخب جزائريين، لم يشاركوا في فوز حزب عبد العزيز بلخادم ومن يقاسمه التمثيل في المجلس الشعبي الوطني القادم، والذي سيتم تكليفه بمهمة في منتهى الحساسية ''إعداد دستور جديد للبلاد''. كما تكفل المجلس السابق بكل المهام التي أوكلت له. صحيح أن الانتخابات التشريعية جرت أول أمس في ظروف مقبولة كما شهد الملاحظون الدوليون، لكنها أيضا أثبتت أن ''الجزائر حالة استثنائية''. ففي الوقت الذي ''اختفت'' فيه كل الأحزاب التي تشبه جبهة التحرير الوطني، على الأقل من حيث ''الدوام'' في السلطة، في البلدان التي هب عليها ما يسمى الربيع العربي، إلا أن ''ربيع الجزائر'' منح لأكثر القادة الحزبيين ''قوة'' لا يملكها حتى داخل حزبه. وهي مفارقة المفارقات التي يتميز بها ''الاستثناء الجزائري''. ويتحمل ثلث الجزائريين الذين اعتبروا أنفسهم غير معنيين ب''الربيع'' الذي سيسلط عليهم بلخادم جزءا من المسؤولية فيما يحدث لهم، رغم أن حجتهم هم أيضا قوية. وفي كل الحالات أعتقد بأن هذا الذي حصل أول أمس يمكن إدراجه أيضا في سجل إنجازات ''صاحب الفخامة'' الذي اعترف في سطيف بأنه ''طاب جنانه''، لكن في الواقع فإن الجزائريين والجزائريات كلهم ''طاب جنانهم'' لأن الذين سيسنّون لهم القوانين التي تنظم حياتهم وتوزع ريوعهم لا يمثلونهم جميعا. والذي سيقود المؤسسة الثانية في الجمهورية لا يمثل حتى حزبه كاملا.. إنه الاستثناء الجزائري. مبروك. [email protected]