أثبتت نتيجة هذه التشريعيات الخصوصية الجزائرية، التي راهن الجميع على أنها ستتعرض لهزات "الربيع العربي".. فقد أتت النتيجة من غير مفاجأة، ومثلما كانت التوقعات، فالأحزاب الإسلامية مجتمعة، لم تهزم جبهة التحرير التي اكتسحت أغلبية المقاعد في البرلمان المقبل، رغم الهزات التي تعرضت لها، لكن فوز الأفلان لا يعود لحكمة بلخادم، الذي مازال مرفوضا من قبل قيادة الجبهة، وإنما لتعقل الغاضبين، الذين رغم سحبهم الثقة من الأمين العام للأفلان، فهم التفوا حول قوائم الجبهة وقادوا حملة لفائدة هذه القوائم من أجل فوز الحزب، لأن الانتخابات مهما كان الاختلاف بشأن المرشحين فيها تبقى محطة، والأفلان - قالوا- لا يجب أن يغيب في انتخابات مفصلية مثل هذه، وهذا ما صنع الفارق مع الأحزاب الإسلامية التي كانت تراهن على الأغلبية. وحتى فوز القائمة الخضراء في العاصمة لا يعود لحنكة الإسلاميين، وإنما للحملة التي قادها عمار غول، فالفوز كان فوز غول وليس فوز التحالف الأخضر، ولهذا الفوز أسبابه، فعمار غول أقرب إلى طروحات الأفلان منه إلى طروحات الإسلاميين، غول نجح لأنه كان أغنى المرشحين، وصرف وأقام الولائم، فلا سياسة بدون مال، كما أن غول ليس علي بلحاج، أو حتى جاب الله. على ذكر جاب الله، فلاشك أن اليوم يتجرع مرارة الخيبة، فالرجل راهن على شخصه أكثر من المراهنة على حزبه، فالرجل الذي لم يتمكن من السيطرة على أحزاب يؤسسها، كيف له ليقود التغيير؟! ولا يمكن لحزب عمره بضعة أسابيع أن يحقق الانتصار الساحق الذي وعد به جاب الله، الذي يبدو أنه لم ينتبه للتغيير الحاصل في المجتمع الجزائري، وأن الإسلاميين في الجزائر "طاب جنانهم" على حد قول الرئيس، بعد الأزمة الأمنية التي ابتليت بها البلاد على أيديهم، فليس هناك إسلامي معتدل، وكل الإسلاميين متطرفين، لأن التطرف هو أسلوب نضال وقناعة عندهم. حزب الويزة حنون حقق تقدما معتبرا، لأن السيدة مازالت وفية لمبادئها، وهي تعمل طوال السنة ولا تظهر فقط عند المواعيد الانتخابية، مثل الكثير من الأحزاب ولهذا صنعت الفارق. الأفافاس بدوره حقق الانتصار الذي كان متوقعا وطنيا، وتراجع الأرندي بعودة الأفلان إلى مكانته الطبيعية، رغم أن هذا التنظيم يمتلك الكثير من العناصر الكفأة. الأحزاب الجديدة لم تحقق نتائج مثلما كان متوقعا، والذنب ليس ذنبها، فهي لم تتمكن من تنظيم نفسها وتأطير مناضليها، ولم تستقطب أصلا قاعدة نضالية. المقاطعة لا يمكن أن ينسبها الأرسيدي لنفسه، فلو رأى أن له هذا التأثير لكان دخل الانتخابات وفاز بالأغلبية. على العموم، فاز الخطاب الديمقراطي الاجتماعي على الخطاب الديني، ما يعني أن المبادئ الاشتراكية والوطنية مازالت راسخة لدى الناخب الجزائري وهذا ما جعل أغلبهم يختار الجبهتين الوطنية والقوى الاشتراكية، وحزب الويزة، التي مازالت تناضل من أجل حياة أفضل للجزائريين. هنيئا للمرأة الجزائرية بهذا الإنجاز العظيم بحصولها على ثلث مقاعد البرلمان، وهي بهذا تصنع استثناء ليس عربيا فحسب وإنما عالميا.