عرفت المنطقة العربية ارتجاجات عميقة، سقط على إثرها رؤساء، واعتلى آخرون، ومات البعض، وهرب البعض، وحوكم البعض، وطفت إلى السطح ظواهر اجتماعية وأفكار ومصطلحات جديدة. لكن دار لقمان بقيت على حالها، وانحصرت الدراما العربية الرمضانية في معالجة قضايا اجتماعية مستهلكة، الزواج والطلاق والحب والصراع على الإرث والأرض، إذ لا تختلف من حيث المحتوى عما قدمته في السنوات الماضية، دون التعمّق في القضايا الأساسية للمجتمع، خاصة السياسية والفكرية والثقافية، رغم أن الظرف السياسي المحلي الإقليمي والدولي مخيف، ويقف على حافة بركان، ويتطلب إعطاء رؤية المبدع، سواء بانتقاد اللحظة التاريخية أو بذكر سلبياتها، والأهم تدوين هذا المنعطف فنيا، خاصة أن اثنتين من روّاد الإنتاج الدرامي في الوطن العربي هما المعنيتين بالأمر، الأولى مصر التي عرفت تغييرا كبيرا على المستوى السياسي ونظام الحكم، والثانية سوريا التي تعيش أحداثا دامية ومؤلمة. فغاب الربيع المصري عن المسلسلات وضاع في حكايات الحارات والعشاق، وقليلة هي المسلسلات التي تعرّضت لفساد نظام مبارك. أما الدراما السورية، فلم تخرج عن حواديت نساء البيئة الشامية، والعودة إلى موضوع الاحتلال العثماني والفرنسي، بينما نسيت أو تناست، عن قصد، الوضع الراهن الذي يعيشه هذا البلد العربي. ويبدو أنه رغم محاولة تحرّر المبدع العربي من رقابة الحاكم التي كبتت أنفاسه، إلا أن الرقابة الذاتية على فكره الناقد الذي عاش الانغلاق والقهر لسنوات عديدة ما زالت قائمة.. وحاول الإنتاج الخليجي، من جهته، التطرق للربيع العربي، لكنه كان محتشما، مثل السلسلة الفكاهية ''واي فاي'' التي تعرّضت له باستخفاف واستهزاء، ولا نكاد نجد عملا واحدا تطرّق لهذا الربيع بتعمّق أكبر، كظاهرة تاريخية، مهما كانت أسبابها أو سلبياتها أو إيجابياتها، فقد غيّرت مصير حكام وشعوب عدد من الدول العربية.