الصّحابي الجليل خبيب بن عدي رضي الله عنه، وأحد الأنصار الصّادقين، من قبيلة الأوس، لازم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منذ أن هاجر إليهم، وكان عَذْبَ الروح، قوي الإيمان. شارك في غزوة بدر، فكان جنديًّا باسلاً ومقاتلاً شجاعًا، قتل عددًا كبيرًا من المشركين من بينهم الحارث بن عامر بن نوفل. وذات يوم أراد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يعرف نوايا قريش ومدى استعدادها لغزو جديد، فاختار عشرة من أصحابه من بينهم خُبيب بن عدي، وجعل عاصم بن ثابت أميرًا عليهم، وانطلق الركب ناحية مكة حتى اقتربوا منها، فوصل خبرهم إلى قوم من بني لحيان فأخذوا يتتبعونهم، وأحسَّ عاصم أنهم يطاردونهم، فدعا أصحابه إلى صعود قمة عالية على رأس جبل، فاقترب منهم مائة رجل من المشركين وحاصروهم، ودعوهم إلى تسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم الأمان، فنظر الصحابة إلى أميرهم عاصم فإذا هو يقول: أما أنا فوالله لا أنزل في ذمة مشرك، اللهم أخبر عنا نبيك. فلمّا رأى المشركون أن المسلمين لا يريدون الاستسلام؛ رموهم بالنبال، فاستشهد عاصم ومعه ستة آخرون، ولم يبق إلاّ خبيب واثنان معه، هما زيد بن الدثنة ومرثد بن أبي مرثد، ولمّا رأى مرثد بداية الغدر حاول الهرب فقتله البغاة، ثمّ ربطوا خُبيبًا وزيدًا وساروا بهما إلى مكة، حيث باعوهما هناك. وعندما سمع بنو حارث بوجود خبيب أسرعوا بشرائه ليأخذوا بثأر أبيهم الّذي قتله خبيب يوم بدر، وظلّ خُبيب في بيت عقبة بن الحارث أسيرًا مقيّدًا بالحديد. تقدّم أحد المشركين، وضرب خُبيب بسيفه، فسقط شهيدًا، وكانوا كلّما جعلوا وجهه إلى غير القبلة يجدوه مستقبلها، فلمّا عجزوا تركوه وعادوا إلى مكة. وبقى جثمان الشهيد على الخشب الّذي صلب عليه حتّى علم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأمره، فأرسل الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو فأنزلاه، ثمّ حمله الزبير على فرسه، وهو رطب لم يتغيّر منه شيء، وسار به، فلمّا لحقهما المشركون قذفه الزبير، فابتلعته الأرض، فَسُمِّيَ بَلِيع الأرض.