أحدثت ثورة ''25 يناير'' تحوّلا حقيقيا في توجهات النشر والمقروئية في مصر، أدى إلى ارتفاع نسبة المقروئية، وبرز اهتمام بالكتاب السياسي، وفكر التيار الإسلامي، على حساب الرواية. وفي الوقت الذي غيّرت بعض الدور من توجهاتها استجابة لتطلعات القراء الجديدة، احتفظت أخرى بخطها التنويري الذي يكشف مزاعم الإسلاميين. وللوقوف على حقيقة ما حملته إصدارات ما بعد الثورة، استقصت ''الخبر'' مجموعة من الناشرين المصريين الحاضرين في الطبعة السابعة عشر للصالون الدولي للكتاب بالجزائر. قال خالد زغلول، مدير نشر مصر المحروسة، إن دور النشر المصرية نشرت كتبا كثيرة عن الثورة، لكن أغلبها لا يحوز على الدقة والصبغة العلمية، موضحا أن ''ثورة يناير'' بحاجة إلى مزيد من التعمّق والتأني. وذكر زغلول أن دار المحروسة نشرت سلسلة من الكتب التي سجل أصحابها يومياتهم، على أن تتحوّل لاحقا إلى مادة خام يستغلها المؤرخ للتأريخ للثورة، على غرار ما قام به الروائي سعد القرش في كتابه الصادر بعنوان ''الثورة الآن''. كما أوضح زغلول، في تصريح ل''الخبر''، أن الكثير من دور النشر المصرية نشرت كتبا تتحدّث عن فساد النظام السابق، لكنها كتبت بتسرّع، مضيفا أنه يوجد توجه عام لدى بعض دور النشر تروّج لفكرة أن الربيع العربي يعتبر بمثابة مؤامرة على الأمة العربية. وبخصوص اتجاهات القرّاء في مصر حاليا، قال زغلول: ''هناك اتجاهات متعدّدة حاليا، لكن الملاحظ هو أن القرّاء الشباب أصبحوا يبحثون عن الكتب اليسارية، لمعرفة الوجهة التي يأخذها العالم في الوقت الراهن''. من جهته، قال محمد خضر، مدير التوزيع بدار الشروق المصرية، إن هذه الأخيرة لم تغيّر من خطها الافتتاحي بعد قيام ''ثورة يناير''، وهي تسير وفق نفس النهج، حيث صرّح: ''نشرت دار الشروق لكل الكتاب المصريين من مختلف التوجهات، وبالأخص للمعارضين للنظام حتى قبل قيام الثورة، فقد نشرنا لعلاء الأسواني، وهو من أكبر المثقفين المناهضين لنظام الرئيس مبارك، كما نشرنا لجلال أمين، وغيرهما من الكتاب''. وأوضح خضر أن دار الشروق قامت على التعدّد والتنوع. فكما نشرت للأسواني، نشرت للكاتب الإسلامي محمد عمارة، وغيره. وبخصوص التحوّلات الحاصلة في مصر على مستوى القرّاء، قال ذات المتحدث''، في تصريح ل''الخبر''، إن التوجه العام انتقل من الرواية، مثلما كان عليه الحال في السنوات السابقة، إلى الكتاب السياسي، موضحا: ''هناك رغبة لدى شباب مصر لمعرفة الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة''. وتحدث خضر عن وجود قرّاء جدد يهتمون بالأدبيات الإسلامية بعد صعود الإسلاميين إلى الحكم، حتى يتعمّقوا في فهم الأسس الفكرية لهذا التيار. أما الدكتورة فاطمة البودي، المدير العام ''لدار العين''، فقالت: ''لم يتغيّر النهج الذي تتبعه دار العين بعد قيام الثورة، بل حتى بعد صعود الإسلاميين إلى الحكم، فالدار متخصصة في نشر الكتب التنويرية التي تدحض الفكر الوهابي، وترفض استعمال الدين لأغراض سياسية''. وفي الوقت الذي سعت فيه كثير من دور النشر المصرية للاستجابة للتحوّلات الجارية بعد صعود الإسلاميين، رفضت دار العين مسايرة هذا المعطى، وبقيت وفيّة لنهجها الافتتاحي، حيث قالت: ''لا بد أن يعلم الناس حقيقة استخدام الدين للوصول لأطماع سياسية''. وتحدثت الدكتورة فاطمة البودي ل''الخبر''، عن وجود حرية في النشر في مصر، لكنها أبدت تخوّفها من تغيّر الأوضاع عقب المصادقة على الدستور الجديد، الذي سوف يقوم الإسلاميون بصياغته. هذا الإصرار على نشر الكتاب التنويري عثرنا عليه عند ''دار رؤية''، وهي دار يصفها مديرها، رضا عوض، بالتنويرية التي تحاول وضع جسور بين المشرق والمغرب، بعد القطيعة التي حصلت، والتي عادت للواجهة بعد الثورات العربية، حيث قال عوض: ''تركت الثورات العربية مفعولها الخاص، ومكّنت من بروز حركة ثقافية، فبدأت الأجيال الجديدة بعد الثورة تبحث عن المعرفة''، مضيفا: ''الثورة دون ثقافة عبارة عن خطوة نحو المجهول''. وبشأن تحوّلات القارئ المصري، قال نفس المتحدث: ''هناك ابتعاد واضح عن كتب الشعوذة، وفي المقابل، هناك اهتمام كبير بالكتاب التنويري والحداثي، والكتاب الهادف بصفة عامة، والذي يحمل رؤية هادفة''.