يعيش سكان بعض المجمّعات السكنية بالعاصمة وخارجها بجوار محطات تعبئة الوقود والغاز، والتي تشكل ''قنابل موقوتة'' قد تودي بحياة سكان الأحياء المتواجدة بها، والتي تعرف في أغلبها اكتظاظا يوميا بالمارة، خاصة أن أغلبها يحتوي على مواد سريعة الاشتعال، على غرار الغاز والبنزين. تلتصق بعض البنايات بجدران محطات تعبئة الوقود مباشرة، وقد أبدى بعض السكان توجساتهم من الخطر الذي يهدّدهم بصفة دائمة. في حين اعتبر مسؤولو المحطات، ممن تحدثت إليهم ''الخبر''، أن إجراءات السلامة المتبعة في المحطات، كفيلة بضمان سلامة المحيط. واشتكى آخرون من تصرّفات الزبائن الذين يرفضون احترام إجراءات السلامة، ما يهدّد سلامة المحطة والمواطن. وفي جولة في بعض محطات الوقود بالعاصمة، وقفنا على آراء المواطنين الذين أكدوا تخوّفاتهم بشأن تواجد المحطات التي اعتبروها ''خطرا محدقا''، يتطلب التحرّك السريع من طرف السلطات المعنية لحماية السكان. وحسب كمال الذي إلتقيناه بإحدى المحطات بالعاصمة، فإن المحطة المجاورة لمنزله لا تكتفي بتعبئة الوقود للزبائن فقط، بل تهتم بتعبئة قارورات غاز البوتان المستعملة في أغراض الطهي والتدفئة، وهو ما يشكل خطورة كبيرة على الحي، خاصة أن بعض المواطنين غير واعين بقواعد السلامة، ويعمدون إلى جرّ قوارير الغاز ودحرجتها لمسافات، ما قد يتسبّب في انفجارها في أي لحظة. أما السعيد، فقد أكد أن الجميع يعرفون مدى خطورة قارورة الغاز ودحرجتها بذلك الشكل، ورغم ذلك، لا يغيّرون طباعهم. وقال إنه لا توجد بلدية لا تتوفر بها المحطات الخاصة ببيع قارورات الغاز أو البنزين التي تشكل خطرا على السكان، مطالبا بإبعادها من داخل الأحياء، نظرا لكون وسائل السلامة الموجودة لا تفي بالغرض. وأضاف أن خطر محطات الوقود على السكان غير هيّن، خاصة في ظل عدم الالتزام من طرف الزبائن بإجراءات السلامة. قانون لتغريم الزبائن وبحديثنا إلى رؤساء المحطات المكلفين بإدارتها، أكد لنا سلمان مسعود أن درجة الخطر الذي تشكله المحطات مرهون بدرجة وعي المواطن، ومدى تعاطيه مع نصائح القائمين على المحطة. وأوضح أن أهم إجراءات السلامة الواجب اتباعها منع استعمال الضوء أو الهاتف النقال، ومنع تشغيل المحرك. وقال مسعود إن المواطنين يرفضون الالتزام بهذه الضوابط، بحجة أن سيّاراتهم معطلة، وأن إطفاءها سيحول دون تشغيلها مجدّدا، أو أنهم منشغلون. وأضاف أنه ينبغي التنسيق مع مصالح الشرطة لفرض الحماية للمحطات، خاصة بعد نشوب شجارات بين الزبائن وعمال المحطة، وهو ما يصل أحيانا إلى اعتداءات على عمال المحطة وحالات سرقة. وعن إجراءات السلامة، أكد المتحدث أن العمال يتكفلون بإخماد الحريق بالمطفآت المتوفرة إلى حين وصول مصالح الحماية المدنية، مبرزا أن نظام تفريغ البنزين في الخزانات مزوّد بآلات تسمى ''كلابر''، تغلقها ''أوتوماتيكيا'' في حال نشوب حريق. وأكد أن الأضرار ستقتصر على آلات التوزيع فقط. قواعد السلامة لا تحترم أما محمد، الذي أمضى 30 سنة في المجال وينتظر التقاعد السنة المقبلة، فقد أوضح أن بعض مسؤولي المحطات أيضا ''لا يتبعون إجراءات السلامة اللازمة''، حيث يواصل بعضهم عملية توزيع الوقود على الزبائن، في الوقت الذي تقوم فيه الشاحنة بتفريغ البنزين في الخزانات، رغم أن إجراءات السلامة تنص على ضرورة الانتظار ساعة كاملة بعد التفريغ في الخزانات لمباشرة العمل، وهو ما يهدّد، حسبه، سلامة المحطة والمعدّات ومركبات الزبون. وأضاف محدثنا أن بعض المحطات تفتقر للتغطية، ما من شأنه توفير الظل لعدّاد التوزيع الذي يجنبه نشوب حريق في فترات الحرارة القصوى. سيجارة مشتعلة قد تفجر حيّا كاملا أما السيد شيريدي عبد القادر الذي زاول مهنته بالمحطة منذ 1965 عندما كانت ''إيسو'' المؤسسة المسؤولة عن المحطات، أكد أنه أوكل أمر تسيير المحطة لابنه، موضحا بأن تجاوزات بعض المواطنين تهدّد سلامة المحطة والبنايات المحيطة بها، خاصة أن المطفآت المتواجدة غير قادرة على إخماد الحريق وحدها قبل حضور الحماية المدنية، نظرا لوجود كميات معتبرة من الزيوت والغاز التي تباع للمواطنين. وقال إن عمال المحطات مستاؤون من عدم وعي الزبائن، وإصرارهم على التصرّف وفق رغباتهم، وطالب السلطات العمومية بإصدار قانون يؤمّن الحماية للمحطات من الاعتداءات، مشيرا إلى أن عمال المحطة يساهمون في تهدئة الأوضاع بتنازلهم وعدم الخوض في سجال مع الزبون. ودعا محدثنا الجهات المعنية بالإشراف على محطات الوقود إلى إطلاق حملات توعوية وسط المجتمع وتعريفهم بقواعد الأمن والسلامة، مع فرض عقوبات على المخالفين لحماية الساكنين أمام هذه المحطات، مشيرا إلى ''أن سيجارة مشتعلة أو هاتفا نقالا قد يؤدي إلى تفجير حيّ بأكمله''، خاصة أن كثيرا ممن ''يأتون لمحطات الوقود لتعبئة سيّاراتهم لا يعرفون ما يجب عليهم فعله''، فدخول المحطة وبيد السائق سيجارة أو تعبئة الوقود ومحرك السيارة يعمل، أمر في منتهى الخطورة.
جمعية حماية البيئة ومكافحة التلوث الزيوت المستعملة تلوث المياه
حذّر رئيس الجمعية الوطنية لحماية البيئة ومكافحة التلوث، علي حليمي، من خطر محطات الوقود والخدمات المتمركزة وسط المدينة، مشيرا إلى أن أخطار الزيوت المستعملة على المياه السطحية والجوفية تبقى مطروحة بسبب هذه المحطات، ناهيك عن تأثيرها على حياة المواطن وخطر وقوع أي حادث انفجار. وقال المتحدث، في تصريح ل''الخبر''، إن ''عدّة تجمّعات سكانية ترفض إنجاز هذه المحطات في الوسط العمراني، لكن أصحابها تمكنوا من الحصول على الرخصة والتصريح بطريقة أو بأخرى''. كما أن الخطر الذي ينجرّ عن هذه المحطات هو خطر الزيوت المستعملة التي تصل إلى حدّ اختلاطها مع شبكة المياه الصالحة للشرب في بعض المناطق.
دراسات دولية تحذر كشفت دراسة أنجزها باحثون من جامعة موريسيا بإسبانيا، أن وجود محطات البنزين على بعد 50 أو 100 متر من التجمّعات السكنية، يشكل خطرا على الصحة، قد تصل إلى حدّ الإصابة بسرطان الدم، لأن تلوث الهواء يكون أكثر تركيزا بالقرب من محطات البنزين. وفي نفس السياق، كشفت نتائج دراسة أجريت في فرنسا، عن جوانب خطيرة ترتبط بارتفاع معدّلات الإصابة بسرطان الدم الحادّ بين الأطفال، إذ رجّحت تلك الدراسة أن السكن بالقرب من محطات تعبئة البنزين، ربما يضاعف حالات سرطان الدم عند الأطفال أربع مرات، وقد يتضاعف الخطر سبع مرات بالنسبة لبعض أنواع هذا المرض.