فرنسا ليست متيقنة من قبول الأممالمتحدة الخطة العسكرية محتوم على رئيس الجمهورية أن يفي بوعده بتعديل الدستور يحمّل رئيس الحكومة وسفير الجزائر في باريس سابقا، السيد إسماعيل حمداني، مسؤولية تعقيد الأزمة في مالي لقطاع من الطبقة السياسية الفرنسية التي يحكمها ''الفكر الكولونيالي''، على حدّ تعبيره. وينتظر حمداني، في حوار مع ''الخبر'' جرى بمكتبه بالعاصمة، أن توضح زيارة فرانسوا هولاند للجزائر الأمور، وتجعل من المصالح المتبادلة قاعدة العمل بين ضفتي المتوسط. تواجه الجزائر ضغوطا غير مسبوقة بسبب التطوّرات الميدانية في شمال مالي. كيف يمكن، في رأيكم، مواجهة هذه الوضعية دون الخروج عن موقفها المبدئي المتمثل في عدم التدخل عسكريا خارج حدودها؟ لا أدري إن كانت هذه ضغوطا ولا سابقة لها، أم هي مشاورات مع الدولة الجزائرية باعتبارها أكبر دولة في المنطقة، وتتمتع بوسائل معتبرة، إضافة لكونها مجاورة لمالي. أعتقد أنها مشاورات مع العديد من الدول الفاعلة، بما فيها فرنسا والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى وغيرها. علما أن قرار الأممالمتحدة رقم 2071 نص صراحة على ضرورة الحوار السياسي، وقد أكد المبعوث الخاص للأمين العام الأممي، رومانو برودي، هذا المسعى. من جهتها، شرعت الجزائر في اتصالات مع توارف الأزواد (حركة تحرير الأزواد)، وهم مواطنون ماليون، وكذلك مع توارف أنصار الدين، وهم كذلك توارف ماليون، لحثهم على الابتعاد عن خط استعمال العنف، أو المطالبة بالانفصال واعتماد الحوار السياسي مع الحكومة المالية، واحترام سلامة التراب المالي. وإلى حدّ الآن، وبالتنسيق مع بوركينافاسو، شرع التنظيمان في التشاور السياسي، تحضيرا لفتح الحوار مع الحكومة المالية. للتذكير، فإن هؤلاء مواطنون ماليون يطالبون بحقوقهم منذ استقلال هذا البلد، باعتبارهم مواطنين على غرار إخوانهم الماليين الآخرين، دون أي تمييز على أساس الأصول العرقية. إن الجزائر تسعى في هذا الاتجاه السياسي، وأقنعت عددا من الفاعلين في المنطقة وخارجها، أي أوروبا وأمريكا والأممالمتحدة. وإن الفترة الزمنية المحدّدة ب45 يوما والجارية إلى غاية 26 نوفمبر، ستسفر عن منظور لحلّ الأزمة بدأ بالاجتماع الذي نظمته مجموعة غرب إفريقيا لدراسة مخطط تحرير شمال مالي. نفهم منكم أن مسألة التدخل العسكري ليست محسومة كما يسود الاعتقاد وتتداوله مختلف وسائل الإعلام والخطابات السياسية؟ هناك شيء جديد، يتمثل في إظهار أنصار الدين النيّة في الحوار السياسي والابتعاد عن العنف. هناك، إذن، حل سياسي وآخر عسكري، فأي الحلين سيتغلب؟ أعتقد أن الفرنسيين ليسوا متيقنين بنجاح خطتهم في الأممالمتحدة، ولذلك يرفعون شروطا إضافية لحركة أنصار الدين، منها التخلي عن تطبيق الشريعة. وهي مسألة في الحقيقة داخلية للمعنيين، أقصد الماليين. وعليه، أرجح أن يؤجل مجلس الأمن تنفيذ الخطة العسكرية حتى لو لفترة مقبولة، ويترك الفرصة للحلّ السياسي، لأن المخطط العسكري حتى في حال قبوله، يتطلب تدريب ال3000 أو 4000 جندي، وتمكينهم من تحقيق التنسيق فيما بينهم. المتتبع للحراك السياسي الجاري حول أزمة مالي يشعر كأن القضية صراع جزائري فرنسي وله جذور تاريخية (مخطط التسيير المشترك للصحراء الذي عرضته السلطات الاستعمارية أثناء حرب التحرير). ما رأيكم؟ صراع جزائري فرنسي، أم اختلاف في تقييم الوضع، أم تناقض المصالح؟ هل له امتدادات تاريخية؟ أعتقد، بالنسبة للجزائر وفرنسا، أن موضوع التسيير المشترك للصحراء منته للأبد، رغم وجود تيار يميني متطرّف مازال الفكر الاستعماري يحتل عقول أنصاره، ومازال هذا التيار يؤثر في بعض الأوساط الفرنسية، لكن هناك امتدادات تاريخية لفرنسا مع التوارف الذين كافحوا الجيش الفرنسي إلى غاية سنة .1920 وهذا أيضا مازال ربما واردا في العقول اليمينية الفرنسية. على كل، آمل أن تتضح كل هذه الأمور عند زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر في ديسمبر المقبل، لنعرف هل الفكر السليم متوفر لدى السلطات الفرنسية، ونعتمد على نهج المصالح المتبادلة بعيدا عن الفكر الكولونيالي. هل تعتقدون أن إنهاء احتلال شمال مالي من قبل جماعات إرهابية يمكن أن يتحقق في ظرف أشهر كما تأمل إليه المجموعة الدولية، وبشكل خاص فرنسا؟ إن شمال مالي المحتل حاليا من طرف جماعات متمردة إرهابية ومتاجرة في المخدرات والرهائن، منطقة شاسعة ومساحتها حوالي 800 ألف كيلومتر مربع. ومن جهة ثانية، هذه الجماعات تسبح وسط المدنيين الساكنين في المنطقة، أي حوالي نصف مليون نسمة، الأمر الذي يجعل المبادرة العسكرية صعبة جدا، وتتطلب على الأقل وقتا طويلا، علما أن القوات الإفريقية التي تحضر لهذا الغرض تضاف إليها القوات المالية، الكل لا يتجاوز 4000 جندي، حسبما نشرته الصحافة. جرى الحديث عن 3000 و5000 جندي، وأخيرا أعلن الرئيس الإيفواري عن 3300 جندي، هل هي قوات كافية؟ لست خبيرا عسكريا، لكن كل هذه الأرقام لن تغيّر جذريا المعادلة. وإذا طالت هذه الأزمة، كيف ستكون تداعياتها على حدودنا الجنوبية؟ الأمور معقدة في مالي وفي الساحل، ومن واجبنا أن نعمل على تتبعها عن كثب وتحليلها بشكل صحيح. تختلف التداعيات باختلاف الحلول المعتمدة هناك، هل هي الحلول السياسية؟ وعند ذاك جانبنا سيكون معززا، أم هي الحلول العسكرية دون المرور على الحلول السياسية؟ وعند ذاك ينبغي أن يتجند الشعب الجزائري للدفاع عن سلامة ترابنا. هذا، وفي كل الحالات، سيكوّن الجانب الإنساني، بتدفق اللاجئين، ضغطا يتطلب منا اليقظة للقيام بواجب التضامن والإسعاف، كما فعلنا ذلك في الماضي في حالات الجفاف التي ضربت المنطقة. تتحدثون عن ضرورة تجند الشعب الجزائري للدفاع عن سلامة ترابنا. كيف يتحقق ذلك والساحة السياسية الداخلية غائبة ومغيّبة عن النقاش المتعلق بالملف؟ وهل الحساسية الأمنية للوضعية هي التي أملت ذلك، أم هي نقطة الضعف الدائمة للجانب الجزائري؟ صحيح رئيس الجمهورية هو المخوّل دستوريا لأن يضطلع بمسؤولية الدفاع الوطني، ويقرّر السياسة الخارجية ويوجهها. ويمكن أيضا، من الناحية الدستورية، أن يفتح البرلمان نقاشا حول الموضوع. وقد تم نشر قوات إضافية من الجيش والدرك والشرطة على حدودنا الجنوبية، حسبما اطلعت عليه، كل هذا على المستوى القانوني. لكن على المستوى السياسي والأمني، لابد من تجنيد كل الطاقات، إن اقتضى الأمر ذلك في وقت ما، لعله قريب أو الأحسن أن نتصوّره قريبا، سيحتاج أمن البلاد إلى تقوية الجبهة الداخلية كقاعدة صلبة لمجهود الدولة، جبهة داخلية تتكوّن من الأحزاب والمجتمع المدني والمؤسسات والشعب كله. وعلينا أن نأخذ في الحسبان أن ثمة سبعة بلدان تجاورنا، هي تونس وليبيا والنيجر ومالي وموريتانيا والصحراء الغربية والمملكة المغربية، وطول حدودنا البرية تصل إلى 6140 كلم وحدودنا مع مالي هي .1261 ويضاف إلى هذه الحدود البحرية حدودا بحرية تقابل إسبانياوفرنسا وإيطاليا وطولها 1672 كلم وليس 1200 كلم، كما يسود الاعتقاد. أذكر هذه التفاصيل للتحسيس بأهمية الموضوع وربما خطورته. السيد حمداني، أنتم تتحدثون عن تجند الأحزاب والمجتمع المدني. هناك تشتت كامل للطبقة السياسية والمجتمع المدني عندنا، كيف يمكن تحقيق هذا التجند؟ نحن نحكم ذاتيا على أوضاعنا الداخلية. لكن، إذا كان هناك فعلا خطر على البلاد، فشعبنا يعرف واجبه. كأنكم على إطلاع بمبادرة سياسية ما يجري تحضيرها؟ ليس لي جواب قاطع حول هذا الأمر، لكن تطوّر الأحداث سيملي علينا أو يجعل الجبهة الداخلية تعرف كيف ستتجند. أيا كانت تطوّرات أزمة مالي، هل يمكن اعتبار منطقة الساحل وشمال إفريقيا قد دخلت مرحلة جديدة في تاريخها، وكيف يمكن للجزائر أن تتكيّف مع هذه المرحلة؟ على العموم، أوضاع البلدان المجاورة تغيّرت أو في تغيّر، والعالم بأسره تغيّر والعولمة ضاربة أطنابها. كل هذا يقتضي منا نقاشا واسعا، ربما بمناسبة تعديل الدستور، لتجديد أفكارنا حول ظروفنا، وتحديث المفاهيم والرؤى، والاستشراف على المدى البعيد. تعديل الدستور مؤجل إلى موعد غير معلوم، ما رأيكم في ذلك؟ أنا أبقي تعديل الدستور، وأقول إن رئيس الجمهورية محتوم عليه أن يفي بوعده ويعدّل الدستور. وآمل أن يكون هذا التعديل مناسبة لنقاش، مثل ذلك الذي نظم سنة 76 حول الميثاق الوطني. عمليا، ما هي الحلول التي ترونها في الظرف الحالي، حتى لا نبقى نتحدّث عن شعار الديمقراطية البعيد المدى؟ أعتقد أن جيل الاستقلال يأمل أن يكون التغيير جذريا. وبغض النظر عن الوضع في مالي، فإن تطوّر مجتمعنا يقتضي تحوّلات في العمق، لمواصلة بناء دولة القانون ونشر الثقافة القانونية في عقول الناس. ولا أرى أن التحوّل الديمقراطي غاية بعيدة المدى، بل ينبغي أن تتظافر جهود الجميع لجعل التحوّل الديمقراطي قريب المدى. هناك من يرى أن الجزائر، في ظل الربيع العربي وأزمة مالي، أصبحت في موقع مواجهة مع جيرانها. هل تشاطرون هذا الرأي، وكيف يمكن للجزائر أن تتكيّف مع الأنظمة السياسية الجديدة في المنطقة؟ لا أعتقد أننا في وضع مواجهة مع الجيران من موقع ضعف. المشكل يكمن في الاستقرار عند بعض جيراننا، الذين يبذلون الجهد من أجل التحكم في الأوضاع وإنهاء الاضطرابات الحاصلة عندهم. وأعتقد أنهم بحاجة لمساعدة الجزائر في سبيل كسب الاستقرار والأمن، وعلينا أن نبقى يقظين إزاء محيط مهلهل إلى حدّ ما.