ترى وزارة الثقافة أنه غير مقبول أن يشرف فرنسيون على ترميم مسجد تسببوا في تحطيمه، بينما وزارة الشؤون الدينية ترد ب''لا تزر وازرة وزر أخرى''. مسجد كتشاوة، أقدم مسجد في العاصمة وأحد معالم التراث الثقافي العالمي، حسب تصنيف اليونسكو، يعاني الإهمال وتداخل الصلاحيات بين وزارات ومديريات مختلفة. المسجد مغلق في وجه المصلين منذ ما يقارب خمس سنوات، يواجه خطر الانهيار وهو ينتظر المقاول أو مكتب الدراسات والمهندسين القادرين على الإشراف على عملية ترميمه. أولى أشغال ترميم هذا المعلم التاريخي، بدأت سنة 2008، وحينها صرحت مديرة الثقافة للعاصمة بديعة ساطور، بأن ''الورشة معقدة تتطلب تمتين أسس البناية الرئيسية ومنارتيها العاليتين في العمق''، وعليه لم تتفق هي والمؤسسة المكلفة بأشغال الترميم على آجال تسليم المسجد، ولا ندري إن كانت هذه العبارات تدخل في قاموس تعامل مسؤولي مؤسساتنا الإدارية مع الشركات التي تمنح لها الصفقات العمومية. المهم أن مسجد كتشاوة الذي زرناه، أمس، ما زال مغلقا في وجه المصلين والحشائش نبتت في محيطه الخارجي المحاط بلوحات حديدية كدليل على غلقه وعدم صلاحيته للاستعمال. وما زالت أشغال الترميم متوقفة عند مستوى ربط المنارتين المهددتين بالانهيار بحبال متينة للحيلولة دون سقوطهما على رؤوس التجار العاديين والفوضويين النشطين في المكان وكذا المارين والمقيمين... إضافة إلى تنصيب الرافعات المستقدمة من الخارج التي بدأ الصدد يتسرب إليها. اتصلنا بمديرة الثقافة للعاصمة لنعرف أين وصلت إجراءات صفقة الترميم ومتى ستعود الورشة للعمل، فكان جوابها هذه المرة أن ''مديرية الثقافة لا تعليق لها على الموضوع، لأنه من صلاحيات وزارة الشؤون الدينية''. وكان لنا حديث مع التجار هناك فوجدنا انشغالهم منصبا أكثر على مصيرهم لو يتم تنفيذ قرار الطرد الذي يطاردهم منذ ثلاث سنوات، وليس على حياتهم، لأنهم متيقنون أن مسجد كتشاوة يستحيل أن ينهار لصلابة جدرانه وأسسه. أما السكان المجاورون للمسجد، فأكدوا أنهم وقّعوا على عريضة وتوجهوا بها إلى وزارة الشؤون الدينية ولم يستقبلهم أحد هناك. سألنا عن العريضة وقيل لنا أنها عند أحد أئمة المساجد أعلى كتشاوة، واتصلنا بذلك الإمام الذي عبّر لنا عن أمنيته في أن تساعد ''الخبر'' على تحريك الملف وتسرع السلطات بانطلاق الأشغال. أما بخصوص العريضة التي وجهها المواطنون لوزارة الشؤون الدينية، فنفى أن تكون بحوزته واعتبر نفسه ''مواطن بسيط كغيره وليس زعيما يقود عريضة لإتمام ترميم مسجد كتشاوة''. وفي حدود علم الإمام، على حد تعبيره، فإن وزارة الشؤون الدينية تلقي بالمسؤولية على وزارة الثقافة وهذه الأخيرة تعيدها إلى الشؤون الدينية، مختتما كلامه ''لا ندري من المسؤول ولماذا تم ترميم كنيسة السيدة الإفريقية وقاعات السينما بسرعة ونتماطل في ترميم مسجد كتشاوة''. ومن جهته ضرب لنا مدير مؤسسة القصبة السيد بلقاسم باباصي موعدا للحديث عن الملف، لكن هاتفه يرن دون أي رد في الموعد المحدد. وبعد رسالة قصيرة لتذكيره بالموعد أعدنا المحاولة مجددا وكان الهاتف مغلقا تماما. وأثناء تجولنا في محيط مسجد كتشاوة صادفنا فريق الحملة الانتخابية لحزب جبهة التحرير الوطني في مبنى لصيق بالمسجد، فاقتربنا من القائمين على المداومة اعتقادا أنها فرصة مواتية لهذا الحزب الحاكم في جل بلديات الوطن منذ الاستقلال للتعبير عن رأيه والحلول التي يكون مرشح الأفالان يحملها لسكان القصبة، خاصة المجاورين منهم لكتشاوة. غير أننا تفاجأنا برد محدثينا، حين قالوا ''عليكم أن تتوجهوا إلى مديرية الثقافة أو الوزارة للحصول على المعلومات الخاصة بمسجد كتشاوة، أما هنا فأنتم في مداومة الحملة الانتخابية للأفالان''. قلنا لممثل حزب بلخادم ''نعم لأننا نعلم أنكم تمثلون الأفالان ونعلم أننا على موعد مع الانتخابات المحلية ومداومتكم مهددة بانهيار أجزاء من المسجد... نعتقد أنكم منشغلون بهذا الملف وتملكون رأيا حوله وحلولا تقترحونها لذلك...''. لكن إلحاحنا لم يجد نفعا مع منشطي حملة الأفالان، وعندما ذكرناهم بما يجري في الحملات الانتخابية في فرنسا وأمريكا... طلبوا منا أن نعود في المساء لأخذ موعد مع مسؤول المداومة. هذا وعلمنا من مديرة الثقافة للعاصمة السيدة بديعة ساطور، أن الدراسة الخاصة بالمشروع ستنطلق قريبا، بمعنى أن الأشغال التي قالت عنها في عام 2008 غير محدودة الآجال، توقفت أصلا. وفي تصريح آخر للصحافة سنة 2010، قال أحد مسؤولي مديرية الثقافة إن تلك الأشغال استعجالية تتعلق فقط بتأمين محيط المسجد من أي مخاطر انهيار، وكذا تمتين منارتي المسجد الأكثر تضررا، أي أن المؤسسة المكلفة بالإنجاز في المرحلة الأولى أكملت عملها. أما أشغال الترميم الحقيقية، فقال نفس المسؤول آنذاك إنها مرتبطة بإنجاز دراسة تقنية ومالية حول المشروع يتم إحالتها على وزارة الثقافة التي ستتكفل بالتمويل. وصرح نفس المسؤول دائما أن هذه الدراسة ليست محددة الآجال. وقد تحرك الملف مجددا في فيفري 2011، بإطلاق وزارة الشؤون الدينية مناقصة دولية لإعداد تلك الدراسة. لكن وزارة الثقافة اعترضت على انفراد مصالح غلام الله بالملف. وتعتبر وزارة خليدة تومي في تصريح لأحد مسؤوليها ل''الخبر'' أن ''المسعى الذي بادرت به وزارة الشؤون الدينية للحفاظ على مسجد كتشاوة جانب روح ومضمون التشريعات وواجبات المؤسسات''. وتابع مسؤول وزارة الثقافة ''لقد تم الإعلان عن مناقصة بتاريخ 02 فيفري 2011 على أساس دفتر شروط غير مطابق للالتزامات المحددة في قانون 04/98 والمراسيم والقرارات المتعلقة بالتراث الثقافي المحمي''. وحسب نفس المصدر، أعلنت لجنة تقييم العروض في اجتماعها يوم 25 مارس 2011 أن المناقصة غير مجدية، ما دفع بغلام الله لأن يطلب من الوزير الأول أن يبرم الصفقة بالتراضي. وهو ما حدث، حيث منحت الدراسة لمجمع ''جيرار'' الفرنسي الكائن مقره بمدينة مرسيليا، بقيمة 4,2 مليار دينار. من هنا تحركت وزيرة الثقافة خليدة تومي لمعارضة الصفقة من جانبها الإجرائي، لكنها عارضت أساسا أن يشرف مجمّع فرنسي على ترميم مسجد كتشاوة ''كون فرنسا مسؤولة عن تحطيم ثلثي هذا الصرح التاريخي''. كما قيّمت مصالح خليدة تومي القيمة المالية للعرض الفرنسي ب''ثلاثة أضعاف قيمة عرض جزائري إيطالي وضعف عرض آخر إسباني''. هذا ما جعل الوزير الأول آنذاك يطلب تنصيب لجنة مشتركة بين وزارتي الشؤون الدينية والثقافة لإتمام الصفقة، وهو ما تم في شهر فيفري الماضي، حسب مسؤول وزارة الثقافة دائما. اجتماع تنصيب اللجنة أوصى بالتخلي عن خيار الصفقة بالتراضي وفضل التراضي عن طريق الاستشارة، وشاركت في هذه الاستشارة خمس مؤسسات. لكن اللجنة لم تجتمع مجددا لدراسة هذه العروض، لأن الوزير غلام الله يبدو قد تمسك بالعرض الفرنسي وأنهى كل الإجراءات مع مجمع ''جيرار''. ولدى اتصالنا بوزارة الشؤون الدينية حول الملف، قال مسؤول الاتصال، عدة فلاحي، إن ''المشروع سينطلق في الأيام القادمة، والدراسة سيتم إعدادها من قبل مجمع فرنسي، وقد وافق الوزير الأول على ذلك''. أما بخصوص معارضة وزارة الثقافة، فقال المتحدث ''هناك عدة مرافق دينية تراثية تنفرد وزارة الثقافة بمشاريعها ولا تستشيرنا''. وأضاف ''فيما يتعلق بالمرافق المشتركة بين وزارة الشؤون الدينية والثقافة، كل وزارة لها شق خاص بها، ولا يجب أن تكون حساسية بين الوزارتين عندما يتعلق الأمر بالقيام بالواجب''. وعن حساسية وزارة الثقافة تجاه تكفل الفرنسيين بالصفقة، قال عدة فلاحي ''وزارتنا تعمل بمبدأ لا تزر وازرة وزر أخرى''، معتبرا الفرنسيين ليسوا كلهم مذنبين في الحقبة الاستعمارية، بل هناك من شارك منهم في الثورة التحريرية''...