يشهد معتقل الجرف التاريخي الذي أنشأته فرنسا الاستعمارية ببلدية أولاد دراج، 22 كيلومترا شرق ولاية المسيلة، في أوائل سنة 1956، منذ السنوات الأولى للاستقلال وإلى يومنا هذا، تدهورا كبيرا أتى على الكثير من معالمه، بعد أن تحوّل بفعل الإهمال الذي طاله، إلى مجرد مرتع للقمامة والرعي ومصدر صراع لمافيا العقار، الذين استغلوه للاستفادة من سكنات وقطع أرضية، في كل مرة يستيقظ فيها ضمير أصحاب الحل والربط، من أجل تطهير المكان وفتحه للزوار، كونه جزءا من نضال الشعب الجزائري وصفحة من صفحات تاريخ الثورة. زارت ''الخبر'' المعتقل مؤخرا، ووقفت على وضع هذا الأخير، رفقة رئيس دائرة أولاد دراج، الذي أكد أنه مازالت لحد الآن أربع عائلات تتخذ من الزنازين، التي هدمت أيادي الزمن والإنسان معظمها، مسكنا لها، وقد تم إدراجهم في قائمة السكن الاجتماعي لقرية الجرف المزمع توزيعها لاحقا، في انتظار غلقه نهائيا وترقب انطلاق أشغال الترميم، وفق المجسمات التي كان عليها سابقا، ولمَ لا يتم تحويله بالصورة والصوت إلى معلم يحكي تاريخ الثورة، بدلا من إبقائه على الوضع الحالي الذي يعد إهانة لذاكرة الأمة وللشهداء كذلك. وكان المعلم العام الماضي، محل معاينة من قبل وزير المجاهدين، وقف خلالها على مظاهر يندى لها الجبين، بعدما لاحظ أن أجزاء كبيرة من زنزانته التي تحمل بين طياتها صفحة من صفحات العذاب وسنوات الجحيم، تكبدها أزيد من 3 آلاف معتقل، استغله أبناء الاستقلال واتخذوه ذريعة للاستفادة من سكنات من مختلف الأشكال، في ظل التهميش الذي تعرض له المعلم، إذ قلما ما يذكر في الوثائق التاريخية أنه واحد من بين أكبر وأشنع المعتقلات التي مارس فيها المستعمر شذوذه وحقده على الجزائريين بكل أنواع التعذيب. وخصص وزير المجاهدين، في إطار هذه الزيارة التفقدية للمعتقل، غلافا ماليا يقدر بخمسة ملايير سنتيم كمرحلة أولى، لترميمه وإعادة الاعتبار له كمعقل تاريخي، وفتحه للباحثين في تاريخ الحركة الوطنية وتسليط الضوء على أهم الأحداث التي عاشها نزلاء هذا الأخير، إلا أنه سرعان ما وضع هذا الغلاف رهن الأدراج. وتشير بعض المصادر إلى أن مديرية المجاهدين غضت الطرف بشكل أو بآخر عن هذا المسعى، بحجة افتقادها للتقنيين في مجال الترميم، ورغم مرور أزيد من عام على مبادرة الوزير بالغلاف المالي الذي حول بعد ذلك إلى مديرية السكن والتجهيزات العمومية لذات الغرض، إلا أن الأمر مازال رهين التسويفات ليس إلا.