أظهر ما يُعرف بلصوصية الأطفال وسرقة فلذات أكبادنا التي أبكت قلوبنا وأفجعت عائلاتها بفقدها سرّ سعادتها وملح بيوتها، الفرق الشاسع بين مجتمع يحتكم لنظام الغاب، الغلبة فيه والبقاء للأقوى، ومجتمع يحتكم لقانون ونظام يسيّر حياته وينظم علائقه. فللمواطن في ظلّ دولة القانون حقوق، كما أنّ عليه واجبات، فمن واجباته مثلاً أن يكون فردًا ناجحًا مدافعًا عن وطنه مشاركًا في بنائه واستقراره وأمنه، ومن حقوقه الأساسية الشعور بالعدل والأمن على نفسه وأهله ورزقه، وهو ما يعبّر عنه بحقوق المواطنة. كما نجد ذلك أيضًا في ظلِّ دولة الإسلام، كما جاء في كتاب الأحكام السلطانية للإمام الماوردي؛ حيث ذكر أنّ للمواطن في ظلّ دولة الإسلام حقوقًا عدَّ منها حقَّهُ في السكن والعمل والنقل.. إلخ. أنّ يعيش المواطن آمنًا مطمئنًا على نفسه وأهله ورزقه، فذلك من واجب الدولة تجاه مواطنيها. لقد عرفت جريمة القتل بين بني البشر منذ أوّل ظهور لهم على وجه الأرض، وهو ما يعرف بقصة قابيل وهابيل والتي حكاها القرآن الكريم أخذًا للعبرة وتشنيعًا للفعل، قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} المائدة:30، و{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}المائدة: .32 وعلى اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم، فقد تعامل النّاس مع جريمة القتل بعزم وحزم، حتّى أصبح لدى العرب قبل الإسلام قاعدة قانونية ربّما الوحيدة التي اتّفقوا حولها، والتي كانوا يعتبرونها أبلغ وأفصح ما جاء به اللّسان العربي وهي قولهم: ''القتل أنفى للقتل'' فبقتلهم للقاتل ينفون القتل والاعتداء. ثمّ لمّا جاء الإسلام دين السّلام والرّحمة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء: 107، فأعطى للحياة قداستها وهيبتها فأحيى الأنثى بعد وأدها، وأعطى للجنين حقَّ الحياة ولو كان من والدين فقيرين، {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} الإسراء: 31، وجعل الله عقوبة القاتل يوم الحساب نار جهنّم بعد أن تكون الدماء هي أوّل ما يعرض عليه يوم القيامة للفصل بين العباد، أمّا في الدّنيا ولكي لا يبقى القاتل حُرًّا طليقًا (قانون الغاب)، فقد حدّد له الشّرع عقوبة تعتبر الأليق والأنسب على الإطلاق لمثل جريمته الشنعاء، والّتي هي القصاص، قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: .179 نعم، فقتل القاتل أو القتلة هو حياة وأمن وطمأنينة لباقي أفراد الأمّة، بالله عليكم يا معشر النّاس أجمعين، أيُّ قلب ذاك، وأيُّ نوع من البشر هو الّذي يأخذ الطفل البراءة من مدرسته أو ملعبه ثمّ يذبحه من الوريد إلى الوريد ممثِّلاً بجسده.. فهنا حقيبته التي فُجعت به فيها كتاب يستجير ودفتر وبقية من مرسم كتبت بها يده اليمين: الله منهم أكبر أيُّ نوع من البشر هؤلاء الّذين ينشرون الرُّعبَ والخوفَ في أوساط الآمنين؟ ما ذنب الطفل البراءة، بل والمحامي الذي قتل في مكتبه، والإمام في محرابه؟ بل ماذا يقول القاتل لقاتله يوم القيامة!! إنَّ قُطَّاعَ الطُّرق هؤلاء قد حدَّدَ لهم الشّرعُ حدَّ الحِرَابة، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة: .33 إنّ مَن لا يَرحم لا يُرحم، وليس أذهب لحزن الأب وفاجعة الأم التي فقدت فلذة كبدها من أن يقتل القاتل وبسلطة القاضي والحاكم فقط. إنّ الدولة بمؤسَّساتها الأمنية والتّشريعية، يجب أن تضرب وبيد من حديد على تلك الحثالة التي تريد أن تنغِّصَ حياةَ الجزائريِّين، وهيهات هيهات أن يكون لهم ذلك، وحتّى يعودَ الأمنُ للمجتمع والابتسامة للأطفال، والهيبة للدولة، يجب أن تتضافَرَ جهودُ جميع المخلصين من أبناء هذا الوطن، من الأسرة إلى المسجد إلى المدرسة إلى مؤسسات الدولة الأخرى، فالكلُّ في سفينةٍ واحدةٍ، وسيؤكَل الثَّورُ الأبيض يوم أُكِلَ الثَّورُ الأسوَدُ، ذلك أنَّ الجريمَةَ تبدأ باحتشامٍ وفي الظَّلام، ثمَّ سرعانَ ما تنتشرُ إذا وُجد مَن يَتَسَتَّرُ عليها وعلى مرتكبيها. قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} المائدة: .2 * إمام مسجد عثمان بن عفان البريجة اسطاوالي