تزامن إلغاء اللقاء التفاوضي الرسمي بين حكومة باماكو وحركتي الأزواد وأنصار الذي، الذي كان مبرمجا انعقاده يوم 10 جانفي في واغادوغو مع الوسيط البوركينابي، مع تدشين فرنسا للحرب في مالي في الساعات التي أعقبت تأجيل ذلك اللقاء مباشرة، ما يعني أن باريس وباماكو عملتا سويا على ''إجهاض'' الحل السياسي وعدم انتظار ولادته. بإرسال الرئيس الفرنسي طائرات هجومية وقوات خاصة إلى مالي لشن حرب على الحركات الإسلامية المسلحة، بحجة زحفها على مدن الجنوب، تكون باريس قد قررت عدم إعطاء أي فرصة للحل السياسي التفاوضي الذي كان محل دعم حتى من قبل مجلس الأمن في لائحته الأخيرة. فما الذي دفع باريس إلى تصدر جنودها الصفوف الأولى في مواجهة الحركات المسلحة في مالي، قبل حتى دول مجموعة ''إيكواس'' التي وعدت بإرسال 3300 جندي، بعدما ظلت فرنسا، على لسان رئيسها فرانسوا هولاند ووزير دفاعها لودريان وخارجيتها لوران فابيوس، ''ترفض رفضا قاطعا أي تواجد لجنودها على الأرض أو مشاركتها المباشرة في التدخل العسكري في مالي''؟ باريس حاولت تبرير دخولها ''المنفرد'' في الحرب بأنه تلبية لنداء استغاثة أطلقه الرئيس المالي بالنيابة، ديونكوندا تراوري، ولم يكن أمامها سوى الاستجابة له، لما يربط البلدين من علاقات تاريخية مع المستعمرة القديمة. لكن المعطيات تشير أن زحف الحركات الإسلامية المسلحة وفي مقدمتها حركة أنصار الدين نحو مدن جنوب مالي، جاء كرد فعل على رفض حكومة باماكو الذهاب للمفاوضات في واغادوغو يوم 10 جانفي، وطرحها شروطا على حركتي الأزواد وأنصار الدين، بحجة أنهما لم تتخليا عن مطلب الاستقلال بالنسبة لحركة الأزواد وتطبيق الشريعة لحركة إياد غالي. وقال ديونكوندا تراوري إن الحركتين لم تحترما ''الوحدة الترابية لمالي وطبيعة النظام اللائكية''، وهو ما فهمت منه الحركات الترفية المتمردة بأن حكومة باماكو ''ليست لها إرادة في التفاوض''. فما الذي جعل باماكو تتراجع إلى الخلف بعدما كانت تعلن دوما أنها مع الخيار السياسي التفاوضي ؟ إذا كانت فرنسا هي أول بلد سمع استغاثة الرئيس المالي ديونكوندا تراوري، فذلك لأن باريس هي التي ضغطت عليه لوقف الحوار مع حركتي الأزواد وأنصار الدين في ''منتصف الطريق''، وذلك بعدما أثمر هذا الحوار السياسي، التوقيع على أول مذكرة تفاهم بين حركتي الأزواد وأنصار الدين في الجزائر، نهاية شهر ديسمبر الفارط، وهو الاتفاق الذي خلق حالة من التفاؤل بالحل السياسي، بدليل أن المبعوث الأممي للساحل، رومانو برودي، كانت توقعاتهم تشير إلى أن التدخل العسكري في مالي إن حدث فلن يكون قبل سبتمبر .2013 فما الذي جعل فرنسا تختصر زمن موعد الحرب بمثل هذه السرعة الفائقة ؟ إن تراجع حركة الأزواد ميدانيا، وهي الجهة التي كانت تدعمها فرنسا، وفي المقابل صعود نجم حركة أنصار الدين التي تدافع الجزائر عن إشراكها في كل العملية السياسية في مالي، إضافة إلى تمكن الوسيطين بوركينافاسو والجزائر في تقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة في مالي، دفع باريس إلى ''إجهاض'' المسار السياسي التفاوضي وإعلان شن الحرب بصفة أحادية لفرض الأمر الواقع. لكن العبرة ليست ببداية الحرب، لكن كيفية إنهائها دون أن تتحول إلى بؤرة توتر مستديمة على غرار الصومال وأفغانستان.