في أواسط الثمانينيات طرحت مسألة خوصصة سوناطراك كحل سحري لمعالجة مسألة سوء تسيير هذه الشركة.! خاصة بعد أن عرفت البلاد أول مناقشة للبرلمان حول تسيير هذه الشركة، في إطار ما سمي وقتها بقضية ''الباسو''. الحديث عن إعادة هيكلة المؤسسات الوطنية، آنذاك، جرى في إطار إعداد المؤسسات الوطنية إلى الخوصصة. كانت الخوصصة تطرح كحل سحري لمسألة الفساد، التي بدأت تطل برأسها على الجزائر.. وخاصة في القطاع الاقتصادي. أتذكر أن النقاش ذهب إلى حد القول: الفساد في سوناطراك لا يمكن قمعه إلا بالخوصصة.. لأن القطاع الخاص يمكن مراقبته بالقوانين.. لكن القطاع العام، خاصة سوناطراك، لا يمكن مراقبته.. لأن التسيير الإداري والأمني للدولة وسوناطراك دولة داخل دولة، لا يسمح بالشفافية المطلوبة وبالتالي لا يسمح بمكافحة الفساد في هذا القطاع الحيوي. وبالفعل، بقيت سوناطراك قطاعا عاما خالصا.. وبالتالي بقيت تسيّر سياسيا وأمنيا أكثر مما تسيّر اقتصاديا.. وتحت هذا العنوان، عنوان.. سوناطراك مؤسسة استراتيجية.. كانت هذه المؤسسة بعيدة كل البعد عن الرقابة من أي نوع كانت.. باسم الصفة الإستراتيجية ارتكبت كل المناكر.! هل تعرفون أن جل المعارك بين الزمر الفسادية في الدولة جرت حول موضوع السيطرة على تسيير سوناطراك؟! باسم هذه السيطرة لم تعرف الشركة الاستقرار المطلوب في إدارتها.. فتعاقب على إدارة الشركة العديد من المديرين في أوقات قياسية. وكان هؤلاء يتم تعيينهم وإنهاء مهامهم في إطار الصراع بين الزمر السياسية.. بواسطة المكائد وليس بواسطة الطرق الشفافة المبنية على اعتماد الكفاءة.! الآن بات واضحا أن من يسيطر على سوناطراك، يسيطر على حكم الجزائر مادامت هذه الشركة هي الشركة الوحيدة التي تنتج الثورة. إخضاع هذه الشركة إلى رقابة الشعب عبر مؤسساته المنتخبة، مسألة غير واردة أبدا، لأن أسرار سوناطراك بالنسبة للزمر السياسية الحاكمة دون إرادة الشعب، هي أسرار أهم بكثير من أسرار وزارة الدفاع بالنسبة لأمن الزمر الحاكمة وليس أمن البلاد؟! لهذا، يمكن أن نتحدث عن خوصصة وزارة الدفاع ولا نتحدث عن خوصصة سوناطراك، رغم أن الخوصصة هي الحل لإنهاء حالة ملكية الزمر السياسية لهذه الشركة باسم الملكية العامة؟!