تحيي ليبيا، اليوم الأحد، الذكرى الثانية لثورة 17 فبراير التي أطاحت بنظام الراحل معمر القذافي، ويتم إحياءها وسط مخاوف أمنية كبيرة من ناحية “تسلل" عناصر النظام السابق، وفي ظل بروز مطالبات ب “تصحيح المسار" الثوري في هذا البلد، ورغم ذلك فإن أهم المدن الليبية مثل طرابلس وبنغازي لبست مبكرا ثوبا احتفاليا تحسبا لإحياء هذه الذكرى، في بلد لا يزال فيه آلاف المسلحين خارج سيطرة الدولة وعلى نحو ظل يرهن استكمال العملية السياسية على نحو سليم يؤدي إلى تحقيق الأهداف المنشودة في مجال التنمية. لجأت ليبيا إلى إغلاق حدودها مع تونس ومصر من 14 إلى 18 فيفري الجاري تحسبا لأي طارئ وذلك وسط دعوات إلى التظاهر من جماعات، بدأت منذ 15 فيفري الجاري، من بنغازي مهد الثورة شرق البلاد، ومن بين هذه الجماعات يوجد أنصار الفيدرالية ومنظمات المجتمع المدني. ومن بين المطالب توجد مسألة حل الميليشيات المسلحة في هذا البلد و«إسقاط النظام الجديد" فضلا عن “نفي مسؤولي النظام السابق" الذي كان يقوده الزعيم المطاح به الراحل معمر القذافي. وكان ينتظر، أول أمس الجمعة، تنظيم احتجاجات في مدينة بنغازي، للمطالبة بعودة المؤسسات “المسلوبة" خلال عهد النظام السابق ضمن جملة من الحقوق الأخرى لكن هذه الاحتجاجات لم تحدث، وقد أعلنت منظمات من المجتمع المدني من بينها أنصار الفيدرالية تأجيل تحركاتها، وعاشت بنغازي بدلا من ذلك احتفالات شملت أيضا مدنا ليبية أخرى أيضا. وخلال الأيام الأخيرة رفعت مؤسسات مدنية وحقوقية وسياسية عدة مطالب إلى المؤتمر الوطني العام في هذا البلد، من بينها تفعيل المادة 188 من دستور عام 1951 الذي يتحدث عن عاصمتين اثنتين في ليبيا هما طرابلس وبنغازي، والتعجيل بإرجاع مؤسسات النفط والطيران إلى بنغازي، وتحسين أوضاع سكانها. وتعيش ليبيا على وقع وضع أمني صعب وبالإضافة إلى وجود خشية من أعمال مناوئة قد تتسبب فيها العناصر الموالية للنظام السابق الذي كان يتزعمه الراحل معمر القذافي، فإن هذا الوضع يميزه أيضا ديكور مخيف من “الميليشيات" المسلحة التي لم تستطع الحكومة إدماجها بشكل كلي ضمن الجيش أو الأجهزة الأمنية أو إقناعها ببساطة بوضع هذه الأسلحة جانبا، وقد حققت السلطة الحاكمة الجديدة في ليبيا بعض التقدم في هذا الإطار، لكن محللين يعتقدون أن الأمر لا يزال بطيئا وعلى نحو يرهن عملية استكمال بناء الدولة ودفع العملية السياسية إلى الأمام والوصول إلى تحقيق التنمية الشاملة في هذا البلد الغني بالموارد النفطية. وقالت مصادر إعلامية ليبية إن تأجيل هذه المظاهرات في بنغازي جاء “لإخماد نار الفتنة" وحتى لا يقع اللوم على منظمي المظاهرات من ناحية اتهامهم بنشر الفتنة بين الليبيين. ورغم المخاوف الأمنية التي سبقت الذكرى الثانية لتفجير الثورة الليبية، والتي عبرت بشأنها السلطات عن خشيتها أيضا من تسلل عناصر من النظام السابق، إلا أن احتفالات مبكرة عمت ليس فقط مدينة بنغازي شرق ليبيا ولكنها شملت أيضا مدن الزاوية وطرابلس، ولم تسجل أية حوادث أمنية في ظل هذه الاحتفالات التي أحاطتها السلطات بتدابير أمنية كبيرة، باستثناء إلقاء قنبلة بدائية على سيارة قائد سابق لثوار في بنغازي، في حين ينتظر أن تبلغ الاحتفالات ذروتها، اليوم الأحد، بتنظيم تجمعات شعبية ومواكب رسمية. وبغض النظر عن مرور هذه الاحتفالات في ظل هدوء أمني إلى غاية أمس السبت، فإن الكثير من التساؤلات لا تزال تلف الوضع في هذا البلد ولا سيما من الناحية الأمنية، ويقدر بعض المحللين عدد المسلحين في ليبيا ب 250 ألف، وقد برز الحديث عن دورهم كقوة فاعلة في هذا البلد خصوصا منذ اغتيال السفير الأمريكي السابق في ليبيا كريس ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين منذ أكثر من 5 أشهر، ومنذ فترة دعا وزير الداخلية الليبي كتائب الثوار التي كانت تحت مظلة اللجنة الأمنية العليا إلى الالتحاق أفرادا بالشرطة الليبية، حيث استجاب 25 ألفا من هؤلاء الثوار وفق معطيات قدمها المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا الديبلوماسي اللبناني طارق متري الذي أشار أيضا إلى أن التقدم على مستوى الجيش الليبي لا يزال أبطأ منه في الشرطة. وتتزامن هذه التحديات الأمنية التي تعيشها ليبيا، إن على المستوى الداخلي وإن على مستوى ضبط الحدود مع جيرانها، مع التأخر الذي يشهده بناء العملية السياسية في هذا البلد التي رغم كونها بدأت فعلا منذ فترة إلا أنها لا تزال لم تكتمل بعد، فمثلا هناك التأخر في الشروع في صياغة الدستور الليبي، وتحتاج صياغة هذا الدستور أولا إلى انتخاب لجنة الستين باعتبارها اللجنة التي ستقوم بصياغته، وهي اللجنة التي يحتاج انتخابها إلى ستة أو سبعة أشهر، وفق المبعوث الأممي إلى ليبيا طارق متري، الذي أشار أيضا في أحد حواراته الصحفية إلى أن الدستور سيعرض بعد صياغته على الاستفتاء، ومن ثم تنظيم انتخابات عامة في هذا البلد. وتعتبر ليبيا بلدا غنيا جدا بالنفط الذي عملت السلطات الجديدة في ليبيا على إعادة إنتاجه إلى مستوياته الاعتيادية قبل الحرب الأهلية، وقد نجحت في ذلك بشكل محسوس لكن العملية التنموية والاستجابة لمطالب تحسين معيشة السكان تظل مرهونة بالاستقرار السياسي وإعادة بناء مؤسسات الدولة بشكل كلي، وهو أمر مترابط بقوة مع استكمال بناء المؤسسات الأمنية وكذا الجيش الليبي، حيث يؤكد محللون أنه وبغض النظر عن مثل هذا الترابط، فإن الهاجس الأكبر الذي يعيق إعادة بناء الجيش ومؤسسات الأمن في هذا البلد هو وجود آلاف المسلحين خارج إطار المؤسسات.