في البداية، لا بد لأي حر شهم أن ينحني تقديرا إلى كل أولئك الذين ضحوا بأنفسهم ونفيسهم من أجل رؤية بلدهم حرا عزيزا، ومن ضحوا من أجل أن يعيش أبناؤهم وأحفادهم عيشة العزة والكرامة والهناء، على اختلاف أجناسهم، وقومياتهم، ومستوياتهم، وأدوارهم. يوم 17 فبراير 2013، تكون قد انقضت عامين على ثورة الشعب الليبي على نظام الراحل العقيد معمر القذافي، ثورة سقط فيها الآلاف من الليبيين بين شهيد وجريح ويتيم وأرملة ومشرد، ثورة كان في أجندتها النظرية في البداية، إخراج الشعب الليبي من ظلم نظام القذافي إلى عدالة الشعب، وضيق الانتماءات القبلية والجهوية، إلى سعة الانتماء الوطني، ومن ظلمة المذلة السياسية والفقر الاقتصادي والحرمان الاجتماعي، إلى أنوار العزة والرغد والهناء، من فوضى جماهيرية لا تعرف لها سابقة ولا لاحقة، في دستورها وطريقة حكمها، إلى دولة تحتكم إلى دستور شعبي يتفق عليه الليبيون كلهم على اختلاف أعراقهم ولغاتهم وميولاتهم، فماذا تحقق وماذا لم يتحقق من تطلعات الشعب الليبي؟ هل الربيع العربي بليبيا أينع وردا وجنات؟ أم أنه انقلب إلى صيف حار وخريف، تتساقط فيه الأوراق؟ ماذا بين اليوم والأمس؟ البيان الصادر من الشيخ صادق الغرياني، المفتي العام لليبيا، الذي يحث فيه الشعب الليبي على الحفاظ على مكاسب الثورة، وعلى التكلم بلغة الوطن الواحد، وعلى حفظ الدين والدم والمال والعرض، وعدم الانجرار إلى دعوات المغرضين الذين يصطادون في المياه العكرة، تعطي صورة حول الوضع العام في ليبيا عامين بعد اندلاع ثورة 17 فبراير، أجواء الخوف والقلق واللاأمن تسود ليبيا، مع انتشار السلاح، وجماعات الثوار المسلحة، وحلولها في كثير من الأماكن والحالات محل القوى النظامية، في إيجاز كبير نحاول أن نسرد الأمور الإيجابية التي تحققت والأمور السلبية التي تشكل عوائق أمام قيام الدولة الليبية الجديدة. الإيجابيات: 1) انتخاب المؤتمر الوطني بالاقتراع الشعبي العام: ويعد هذا الانجاز أهم مكسب للثورة الليبية، وقد مرت هذه الانتخابات في شفافية وهدوء، وقد سمحت النتائج إلى بلورة للخريطة السياسية الليبية، التي بدت مغايرة للمفترض العام، حيث بانت القوى الليبرالية أكثر تواجدا من المتوقع، كما أنه أبان انحسار التمثيل بالنسبة للإسلاميين. 2) انتخاب حكومة مؤقتة: بقيادة الدكتور علي زيدان، ورمزية تأسيس الحكومة، رغم غياب ثقلها في الكثير من المناطق والحالات، تعد لوحدها إنجازا في ظل انتشار مراكز التسلط بعد الفراغ الذي حدث بعد انهيار نظام القذافي. 3) القضاء على جيوب أنصار القذافي: ومما تحقق للثورة سنتين بعد قيامها هو الانتصار الذي يكاد يكون تاما على أنصار القذافي في المجال العسكري، حيث لا جيوب تذكر، رغم تواصل وجود أنصار للنظام البائد في وسط الشعب الليبي، وزيادة عددهم جراء تصرفات طائشة وسلبية للثوار. السلبيات: 1) عدم قيام مؤسسات الدولة بالصورة المثلى: سواء الأمنية من جيش وشرطة، أو القضائية مثل مكاتب الادعاء العام أو القضاء الحر النزيه أو مكاتب التحقيق الجنائي، في ظل استيلاء العديد من المليشيات على مهامها، فانتشر ”القتل الانتقامي” و”الاختطاف السياسي” أو ”الحبس غير القانوني”، والمحاكمات الصورية وعدم احترام حقوق الإنسان مثلما سجلت ذلك الكثير من المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية، حيث يستغرب الكثير من الملاحظين نجاح القبض على قاتل الصحفي القطري بقناة الجزيرة الراحل، شهيد المهنة الصحفية، السيد علي الجابر،رغم أن الجناة قاموا بفعلتهم في تخف وسرية، ولم يقبض على أحد شارك في قتل السفير الأمريكي مع ثلاثة من مواطنيه في وضح النهار، وعدم وجود أي موقوف في القضية رغم وقوعها علنا وتحت عدسات الكاميرات، ومعرفة الكثير من الناس العاديين لمقترفي الجريمة. 2) انتشار السلاح والجماعات المسلحة: وهذه من أهم السلبيات للثورة، حيث يلاحظ كما هائلا للسلاح بأياد غير أمينة، وفي غير حيز الدولة الليبية، مما جعل أي خلاف سياسي يحل بلغو الرصاص، زد على ذلك الخطر الذي يشكله على المناطق المجاورة لليبيا، ما حدث في شمال مالي، ومن بعد ذلك في عملية تقنتورين الإرهابية، تعطينا صورة مثلى حول البصمة الليبية في الوضع القاتم، إذ أنه لولا المساعدة الليبية السلبية (عبر التغاضي والبيع) أو الإيجابية (بالمساعدة والتجهيز والإيواء) لما حدثث كل تلك الحوادث المأساوية، وقد سجل مؤتمر المانحين لليبيا الذي عقد بباريس إلى استخلاص الصعوبات التي تواجهها ليبيا في ضبط حدودها، ومقارعة تجارة السلاح، والتحكم في المليشيات المسلحة لا تريد تسليم أسلحتها. 3) عدم إصدار الدستور: رغم أن المهمة الرئيسية للمؤتمر الوطني المنتخب تعد في استصدار دستور يكون الوثيقة الرسمية لليبيا الجديدة مع الإعداد للانتخابات البرلمانية، إلا أنه ما زال قيد الدراسة والأخذ والرد، بعد عملية اختيار رئيس للحكومة مضنية جدا. مما يحدث فراغا في تحديد صلاحيات كل أحد. 4) انتشار النزعة الانفصالية: عبر المطالبات المتزايدة حول الحقوق المناطقية والجهوية، وقد بدأ الأمر بنداء مدينة برقة لفيدرالية ليبية، قد تكون الصاعق لمطالبات أخرى لمناطق أخرى مما يسبب إلى تلاشي ليبيا الوطن الواحد إلى مجموعة كيانات جهوية متناحرة ومستنزفة. على كل حال سنتين ليستا كافيتين لبناء مؤسسات دولة حديثة، نتمنى أن يعين الله الشعب الليبي الحبيب، على لملمة حاله، وأن يستبدل فوضاه بمؤسسات تجلب له الخير العميم، وأن يوحد صفوفه ويطهره من المفسدين، والدهماء والدخلاء. عبد الكريم رضا بن يخلف كاتب صحفي