لم يكن السفر إلى تونس هذه المرة ككل المرات السابقة، فقد سُمع دوي الرصاص في بلد كان نموذجا للأمن والاستقرار. والسفر على الطريق البري، في هكذا ظروف، ضرب من المغامرة، في بلد كان يغتسل بالغموض، ويتمسّح المجهول بعد 48 ساعة من اغتيال شكري بلعيد. في السادسة صباحا أبلغتنا الخطوط الجوية الجزائرية بإلغاء رحلتها إلى تونس، التي كانت مقررة على الساعة الثامنة صباحا. كانت الرحلة ستؤمّن لنا الوصول مبكرا إلى تونس وتوفير الوقت الكافي لتغطية كل الترتيبات المتعلقة بجنازة شكري بلعيد والذي كان اغتيل قبل ذلك بيومين (السادس فيفري)، وقعنا في ''حيس بيص''، كنا مجموعة من الصحفيين، بعضهم عاد لتوّه إلى البيت، لكن ثلاثتنا -أنا وزميلي في قناة ''الشروق''- بقينا نفكر في الحل، فكرنا أولا في التوجه برا من العاصمة إلى تونس، لكن الثلوج التي كانت تقطع طرق برج بوعريريجوقسنطينة لم تشجّعنا على هذا الخيار، برزت للتو فكرة أكثر إيجابية.. نتوجه بالطائرة إلى عنابة مثلا، ومنها نغادر إلى تونس، فالمسافة بين عنابة والحدود ليست أكثر من 200 كيلومتر، والوقت بين الحدود، حتى العاصمة، لا يتجاوز ثلاث ساعات. توجهنا إلى المطار الداخلي، كانت الرحلة إلى عنابة مقررة على الحادية عشرة والربع صباحا، لكن لا مكان في الرحلة، بالكاد تمكننا من الحصول على ثلاثة أماكن في الرحلة عبر قائمة الانتظار. وقبل المغادرة كان علينا الاتفاق مع سائق سيارة أجرة من قسنطينة، تدبّرنا رقم هاتفه، لانتظارنا في مطار عنابة والتوجه بنا، رأسا، إلى العاصمة تونس. بتوفيق من الله كانت الطائرة تحط في مطار عنابة، في اللحظة نفسها التي كان سائق سيارة الأجرة يدخل إلى محيط المطار. لم يكن أمامنا الكثير من الوقت، كان يهمنا حضور جنازة شكري بلعيد.. كان يوما مفصليا في تاريخ تونس، وتحوّلا عنيفا في مسار الانتقال الديمقراطي في بلد يعيش ثورة فتية وديمقراطية مازالت غضة. انطلقنا من مطار عنابة باتجاه المركز الحدودي أم الطبول بالطارف. هناك ضاع منا الكثير من الوقت، لتعطّل أجهزة الإعلام الآلي بسبب الانقطاع المتوالي للتيار الكهربائي. كان الجو باردا جدا في تلك النقطة المرتفعة، قال لنا مسؤول من شرطة الحدود إن عاصفة شديدة أتت، الليلة التي سبق، على المحوّل الكهربائي في المركز، وأنه تم، حينها، غلق المركز ومنع أي دخول أو خروج، بدءا من الساعة السادسة لذلك اليوم. كان هذا، في حد ذاته، موضوعا صحفيا يستحق التوقّف: غلق مركز حدودي ومنع الدخول والخروج بسبب الكهرباء، يعني توفير متاعب أخرى لقادم من تونس أو خارج من الجزائر، وليكون الأمر مأسويا، في صورة ما كان الأمر يتعلّق بعائلة أو حالة دخول أو خروج عاجلة. تجاوزنا المركز بعد ساعة أو أكثر، وكنا مباشرة أمام المركز الحدودي التونسي الذي لم يدم بقاؤنا فيه أكثر من خمس دقائق، أنهينا فيه كل إجراءات الدخول.. الطريق مفتوح أمامنا، الآن، إلى العاصمة تونس، وكان أمامنا، أيضا، هاجس الطرق المقطوعة، وصورة الانفلات الأمني التي كنا نسمع عنها. على طول الطريق كان سائق سيارة الأجرة، العم أحمد، يسأل أصدقاءه من العائدين من العاصمة تونس، والذين يلتقي بهم في الطريق. أبلغوه أنه لا مشكلة في الطريق، عدا وسط العاصمة تونس، التي نصحوه فيها بتحاشي الدخول إليها، فلربما الوضع لم يكن مناسبا للتواجد هناك في يوم جنازة حاشدة لشكري بلعيد. وكانت إذاعة الكاف ترافقنا على طول الطريق، وتنقل صورا سمعية لما قبل تشييع الجنازة. وعلى طول الطريق، مباشرة بعد تخطي الحدود، يستوقفك باعة البنزين المهرّب من الجزائر، يباع ب600 ,1 دينار تونسي، ما يعادل 70 دينارا جزائريا للتر الواحد، يرافقك هذا المشهد على طول الطريق. يقول السائق عمي أحمد إن هذه الظاهرة برزت بشكل لافت بعد الثورة التونسية، فلم يكن التونسيون يجرؤون على بيع البنزين على قارعة الطريق قبل الثورة، حيث كان ذلك يعرّضهم لعقوبات الأمن والعدالة.. يشرح المتحدث كيف يحصل التونسيون على أكبر كمية من البنزين من محطات النفط الجزائرية، في أم الطبول والحدادة والقالة. سيارات المرسيدس المزودة بخزان ثان، أو بخزان تم توسعته، هي الأكثر استعمالا في هذا التهريب العلني، ناهيك عن كميات البنزين التي تهرّب بشكل سري عبر ممرات برية ليلا. في سيارة الشيخ راشد في المدن التونسية القريبة من الحدود الجزائرية، كطبرقة ونفزة وباجة، كان الحداد يومها باديا على وفاة شكري بلعيد، لكن نسبة الاستجابة للإضراب العام، الذي دعا إليه اتحاد الشغل في تونس، لم تكن بالقدر الإيجابي، فكثير من المحلات فتحت أبوابها والمقاهي أيضا. أما العاصمة تونس فكانت خالية من الناس حين وصولنا.. كأن المدينة رحلت كلها إلى مقبرة الجلاز، حيث ووري شكري بلعيد. سارعنا بعد إنهاء إجراءات الحجز في الفندق إلى الحصول على ما أمكن من معلومات وظروف التشييع والصور، لإرسالها إلى قاعة التحرير.. كل تلك المسافة والجهد كانت تستهدف حضور لحظة فارقة في تاريخ تونس. غدا السبت يوم جديد، كنا كما كان كل التونسيين، ننتظر كيف تستفيق تونس، وإلى أين تتجه الأوضاع؟ رجل واحد في تونس كان يملك بوصلة الاتجاه، ويحكم، من دون منصب رسمي، مقاليد إدارة كواليس الحكم في تونس.. راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة. كان هدفي الآن أن ألقي عليه القبض، فهو بالنسبة لصحفي صيد ثمين، وبالنسبة للصحيفة سبق جيد في تلك الظروف الحساسة، وبالنسبة للقراء عامل فهم لتطوّر الأوضاع في تونس. في مقر حركة النهضة، في ''مون بليزير'' وسط العاصمة تونس، لا أحد يمكنه أن يخبرك عن مكان الشيخ، عدا قيادات الصف الأول. فيصل الناصر من بين هؤلاء، أقنعت الرجل أن حوارا للشيخ مع ''الخبر'' يمكن أن يوضح الكثير من الغموض حول الوضع في تونس بالنسبة للجزائر. حاجتنا في الجزائر إلى فهم الأوضاع في تونس ليست أقل من حاجة التونسيين أنفسهم.. بلد على الجوار، وحدود ملتهبة بالسلاح الليبي، ومليونا سائح جزائري يقدمون إلى تونس كل سنة، ناهيك عن عوامل تاريخية واجتماعية. طُلب مني أن أتوجه إلى قمرت، في الضاحية الشرقية للعاصمة تونس، هناك كان الشيخ راشد يدير حلقة نقاش لمركز ''دراسات الإسلام والديمقراطية''. قيل لي إن الشيخ رحّب ب''الخبر''، وأعرب عن احترامه للصحيفة التي له سوابق معها منذ التسعينيات، وأكد موافقته على إجراء الحوار في قمرت، حيث سيجد لي وقتا في زحمة الندوة لإجراء الحوار.. قبل أن أصل إلى قمرت تلقيت اتصالا من مقر النهضة، أُبلغت فيه أن الشيخ غادر لأمر عاجل واتجه إلى مكان آخر، وطُلب مني أن أتوجه إلى المنزه في الضاحية الغربية للعاصمة تونس وأن أنتظر اتصالا. ورد الاتصال يُطلب مني فيه التوقف أمام مركز تجاري ضخم ومعروف في منطقة المنزه. لم يدم الوقت كثيرا حتى جاءت سيارة نقلتني إلى حيث كان الشيخ راشد. سلّمت عليه ورحّب بي، لكنه حاول أن يؤجل الحوار إلى يوم غد، وشرح لي الظروف التي تفرض ذلك، وبأنه مستعجل في التنقل إلى اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي للحركة. لكننا وصلنا إلى اتفاق يقضي بأن نجري الحوار في السيارة على طول الطريق، ومتى انتهى المسار انتهى الحوار، ويحقق كلانا هدفه.. يصل الشيخ راشد إلى اجتماعه دون تأخير، وأجري أنا الحوار ولا أعود خائبا. فرضت علي الظروف أن أدقّق الأسئلة وأستعجل الشيخ في الإجابة، فالشيخ هادئ ويتحدث بروية. كنت أدعو أن تتيح لي الزحمة في الطريق الفرصة لاستفزاز الشيخ أكثر، وليطول الحوار أكثر، لكن مشيئة الله قدّرت أن يتوقف الحوار عند 22 دقيقة. كانت تجربة ممتعة، وكرم لا ينسى من الشيخ راشد، في ظرف حساس كانت تمر به البلاد.
عربات الجيش قريبة من المشهد كان الوضع حساسا فعلا، وكنت بصدد أخذ صور لفرقة صغيرة من الجيش التونسي تتمركز في شارع الحبيب بورفيبة، غير أن أفراد الجيش، على خلاف مرات سابقة زرت فيها تونس، رفضوا ذلك، وطلبوا منا عدم التصوير. فمنذ 14 جانفي 2011، مازالت العربات المصفحة تتخذ من الساحة الصغيرة المحيطة بتمثال ابن خلدون، وسط شارع الحبيب بورفيبة في قلب العاصمة تونس، مكانا لها، بين الكنيسة ومقر السفارة الفرنسية يتّخذ عددا محدودا من أفراد الجيش موقعا لهم، لم يبرحوه منذ هروب المخلوع زين العابدين بن علي. في الجهة المقابلة عند تمثال القلم في أعلى شارع الحبيب بورفيبة، وتحديدا عند مقر وزارة الداخلية، مازال عدد قليل من العربات المصفحة التابعة للحرس الجمهوري، أيضا، ترابض في المكان، برغم أن التدابير الأمنية المحيطة بوزارة الداخلية خفّت بشكل كبير، وتم فتح الطريق أمام السيارات بعدما ظل مغلقا منذ الثورة. وكما في شارع الحبيب بورفيبة، مازالت بعض العربات العسكرية المصفحة ترابض قريبا من السفارة الليبية. وفي المقر الضخم لحزب الرئيس بن علي، التجمع الدستوري المحل، وأمام مقر الحكومة في القصبة، وفي محيط المجلس التأسيسي أيضا، وداخل قاعة الجلسات في المجلس، يجلس عدد من العسكريين، مع الصحفيين، لمتابعة نقاشات النواب. يبدو ذلك مجرد فضول منهم، لكن الصورة، بالمجمل، تحيل إلى أن الجيش التونسي، الذي وجد نفسه في قلب الثورة، مازال يراقب الوضع، ويفضّل أن يبقى قريبا من المشهد السياسي المتقلب في تونس. غير أن هذا المشهد المتقلب، ومشكلات الخبز والشغل لم يمنع التونسيين من الانشغال بالثقافة والمسرح والفن. ففي شارع بورفيبة مازالت مكتبة ''الكتاب'' تأخذا حيزا من الاهتمام اليومي للمارة، عبر الإصدارات المتسارعة والمتدفقة في تونس، عن الثورة وتأريخها ومشكلات تونس والانتقال الديمقراطي والصراع بين الإسلاميين والعلمانيين. والمسرح البلدي شهد الأسبوع الذي تلى اغتيال شكري بلعيد مهرجانا ل''الضحك''، مارس فيه التونسيون الضحك على خيبة التجربة الديمقراطية في البلد حتى الآن. ووجد الفنانون الكوميديون في المهرجان فرصة للنقد الكاريكاتوري، الهولي الحاد، لتصرفات قادة العمل السياسي في تونس. وفي قاعة ابن رشيق في شارع الحرية كانت الأماسي، كلها، مخصصة لمعرض الكتاب وأمسيات طربية لفرقة تعيد تأدية أغاني الشيخ إمام. وغير بعيد عن هذا المشهد، تحاول القصبة، أو مدينة العربي (المدينة القديمة)، استعادة روحها وسيّاحها، حيث بات السياح القادمون من الصين واليابان وآسيا الجزء الغالب على السياح المتواجدين في تونس. في كل مكان تجدهم مجموعات مجموعات، يثيرون الفوضى بصراخهم. لكنها فوضى جميلة بالنسبة لعبد الكريم، بائع منتوجات تقليدية، بالقرب من جامع الزيتونة، يقول ''هذه فوضى جميلة تعطينا جوا حماسيا افتقدناه منذ مدة. نأمل أن ينهي الساسة فوضاهم لنستعيد الحياة نفسها مجددا في تونس''. مسجد ''الفتح'' في تونس.. مسجد ''السنّة'' في باب الواد ''أنصار الشريعة''.. حرّاس الشعب أم جهاديون مع وقف التنفيذ؟ كأنك في مسجد ''السنة'' بباب الوادي في العاصمة الجزائرية سنة 1990 وما بعدها، مسجد ''الفتح'' وسط العاصمة تونس، من هنا خرجت المسيرة الحاشدة التي توجهت إلى السفارة الأمريكية في 14 سبتمبر الماضي، احتجاجا على ما عُرف بقضية الفيلم المسيء للرسول الكريم. في محيط هذا المسجد، الذي كان يخطب فيه الزعيم المنتمي ل''أنصار الشريعة'' أبو عياض، المختفي والمطلوب للعدالة في تونس.. سلفيون يبيعون الكتب والمصاحف وكتب الأدعية والسواك والأشرطة الدينية والحجاب وغيرها، وفي باحة المسجد مجموعات شبانية، أطلق أغلبهم اللحى وبعضهم أطال شعر رأسه، تتناقش أمور الدين والدنيا، وغالبا ما ينزلق النقاش إلى قضايا سياسية تتصل بالحكومة وحركة النهضة، وقضايا أخرى باتت تعرف في تونس ب''التكفير والتفجير''. يُغري هذا المظهر المستجد في تونس بعد الثورة الصحفيين الغربيين لتصويره، بالنسبة لهم هذا مشهد كاف للتدليل على نمو التيار الديني في تونس وبروز المجموعات الدينية، وتغلّبها على التيارات المدنية، لا يبدو الأمر كذلك بالضرورة. يحتدم الجدل في تونس بين تيارين من السلفية، تيار يدين بالعلمية ويكنّ بالولاء والبراء لعلماء دين بينهم الشيخ فركوس من الجزائر وعلماء السعودية، ويمثّل هذا التيار الشيخ البشير بلحسن، ويرتكز نشاطه على العمل الدعوي غير المعلن. وتيار آخر ينتظم في تنظيم غير رسمي يدعى ''أنصار الشريعة''، ويتخذ من مراجع دينية توصف بالتشدد مرجعية له، لكنه التيار الأكثر حضورا في الساحة والأكثر نشاطا وانخراطا في العمل الاجتماعي. ويقوم ''أنصار الشريعة''، منذ فترة، بأعمال تنظيف الأحياء وإغاثة المشردين ليلا، والأعمال الخيرية عبر القوافل الإغاثية التي ينظّمونها باتجاه القرى والمناطق النائية، حيث يوزّعون المواد الغذائية والأغطية والأفرشة على السكان. ويموّل التنظيم هذه الأعمال من خلال التبرّعات التي يجمعها من المحسنين بحسب قياداته. وفي المقابل، يسعى إلى نصب ''خيم دعوية'' يقوم خلالها باستقطاب الشباب إلى ''التديّن والطريق المستقيم وتصحيح المفاهيم الدينية''. غير أن الانفلات الأمني الذي عرفته تونس، خاصة منذ السادس فيفري الماضي عقب اغتيال زعيم الجبهة الشعبية شكري بلعيد، وضعف التواجد الأمني في الأحياء والشوارع الخلفية في معظم المدن التونسية والمناطق النائية، وبروز مجموعات إجرامية تقوم بعمليات اعتداء على الممتلكات والمحلات، دفع ب''أنصار الشريعة'' إلى تأدية دور الشرطي، وتنظيم أنفسهم في مجموعات حراسة ليلية، في حي ''الخضراء'' في ضاحية العاصمة تونس، كما في الحمامات ومدن عديدة تقوم بدوريات لتأمين الأحياء والممتلكات. يرتدي شباب ''أنصار الشريعة'' عباءات -تعيد الجزائري إلى زمن الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة مع الفارق- وسترات صفراء أو برتقالية مكتوب عليها شعار التنظيم، للتمايز، يحملون عصيا، ويشاركهم في الحماية شباب ليسوا من التنظيم نفسه. وتجنّبا للاستفزاز أبلغت قيادة التنظيم، ممثلة في الناطق باسم ''أنصار الشريعة''، فتح الدين رايس، ورئيس اللجنة الدعوية في التنظيم، حسن بريك، وبلال بن حسن وكمال زروق، في العاشر فيفري الجاري، أنصارها بضرورة الانسحاب حالما تحضر الشرطة في أي مكان. وأصدر التنظيم، في 13 فيفري، تعليمة تدعو ''الإخوة إلى بقاء كلٍّ في حيه فقط، والانسحاب من الساحات العمومية''.. بادرة قرأ الكثير على أنها رغبة من ''أنصار الشريعة'' في تجنّب أي مواجهة مع السلطة ومع حكومة حركة النهضة، التي يوجد ''أنصار الشريعة'' على خلاف كبير معها. سكان الكثير من الأحياء يعتقدون أنها مبادرة طيبة، طالما أنها لم تتعد حماية الناس والممتلكات وتأمين الأحياء، وردع مجموعات السرقة والإجرام. لكن ظاهرة تواجد ''أنصار الشريعة'' في حماية الأحياء أقلقت الكثير من القوى السياسية التي رأت فيها تشكيلا لشرطة موازية، واتهمت الحكومة بالتساهل الكبير مع هذا التنظيم غير الرسمي. ويحمل الإعلام التونسي، في أغلبه، على ''أنصار الشريعة'' ويدين نشاطهم ويحذّر من تحوّلهم إلى ميليشيات مسلحة تفرض قانونها، خاصة في ظل تسجيل تجاوزات من قِبل بعض المنتسبين إلى التنظيم وقيامهم بممارسات تفتيش وتوقيف لأفراد تعدّ من صميم عمل الشرطة، وهجوم على فندق في سيدي بوزيد ومنع بيع الكحول في بعض المدن. كما تبرز المخاوف من إعلان هذا التنظيم، صراحة، تأييده الصريح لبعض المجموعات الإرهابية التي تنشط في أكثر من دولة، وتزكيته لأسامة بن لادن والزرقاوي وبعض الجهاديين، والإشادة بالعمليات الإرهابية. ما يضع التنظيم في صورة غامضة إزاء أي موقف مستقبلي قد يدفع به إلى تطوير موقفه بالاتجاه الخطأ داخل تونس. غير أن قيادات التيار السلفي، أو ما يعرف ب''أنصار الشريعة''، تقلل من التهويل الإعلامي، وتتهم الإعلام الفرنسي، تحديدا، بالتهويل والكذب والهجوم على التيار السلفي في تونس. ويؤكد رئيس اللجنة الدعوية في تنظيم ''أنصار الشريعة''، الشيخ حسن بريك، في اتصال هاتفي مع ''الخبر''، أن ''الإعلام الفرنسي يتعمّد التهويل والإثارة ضدنا، مع أننا واضحين في منهجنا، رحماء بشعبنا، ولم يصدر، ولن يصدر، منا ما يسيء لتونس''. أما الشيخ حسن بريك فقد رفض لقاءنا، وبرر موقفه بأن جزءا من الإعلام الجزائري يسيء إلى السلفيين في تونس، وذكر لي قصة خبر نشرته إحدى الصحف الجزائرية عن توجه 12 ألف تونسي إلى الجهاد في سوريا، وقال إنه كذب. لم أجتهد لإقناعه، فلم تكن مناسبة تواجدي في تونس تستدعي ذلك.