علّقت شعوب دول الربيع العربي آمالا كبيرة على قدرة هذه الثورات على إحداث التغيير نحو الأفضل وتحسين يوميات المواطن، من خلال تكريس مبادئ الحرية والعدالة والتخلص من التسلط. وكانت المرأة من بين الطامحين لتحقيق مكاسب وتدعيم مكانتها كشريك كامل الحقوق والواجبات، إلا أن تسارع الأحداث السياسية في العديد من دول الربيع كشف عن واقع خيب الآمال من جهة، وساهم في ظهور خطاب رجعي مشكك في أهلية المرأة، من جهة أخرى. ''الخبر'' استضافت الباحثات والناشطات من دول الربيع العربي، لمى طيارة من سوريا وماري دانيال من مصر ورجاء بن سلامة من تونس، في ندوة تمحورت حول تقييمهن لواقع المرأة في دول الربيع. الناشطة التونسية رجاء بن سلامة هناك أطراف تسعى لتقييد حرية المرأة في تونس اتفقت ضيفات ''الخبر'' على أن ثورات الربيع العربي أخذت مسارات مختلفة وفقا لطبيعة كل بلد، ما جعل كل تجربة مختلفة عن الأخرى، وإن اتفقن على أن الثورات ما تزال في مخاض متواصل، إذ لم تحقق أي من هذه الدول الاستقرار المرجو. بهذا الخصوص، اعتبرت الناشطة السياسية المصرية، ماري دانيال، أن الثورة المصرية لم تضع أوزارها بعد وما تزال مستمرة، مؤكدة على أنه لا يمكن الحديث عمّا كسبته المرأة المصرية عقب الإطاحة بالنظام السابق، بالنظر لتسارع الأحداث على الساحة السياسية. وأشارت ماري دانيال إلى أن مصر باتت تعيش حالة من الانقسام جعلت جزءا من المصريين يعتقد أن التيار الذي وصل إلى الحكم يحاول الاستئثار بالسلطة ويسعى لفرض منطقه: ''أعتقد أن الأمور لم تستقر بعد في مصر، الشارع ما يزال في حالة غليان، وهناك فوضى سياسية لا يمكن معهما الحديث عن مكاسب للثورة، سواء تعلق الأمر بالرجل أو المرأة، نحن اليوم نعتبر أن الثورة مستمرة، وهناك من المصريين من يطالب برحيل النظام، كل يوم هناك إراقة الدماء والاحتجاجات والقمع من طرف قوات الأمن، يعني أنه يمكن القول إن الوضع لم يتغير كثيرا عمّا كان عليه في السابق، هذا إن لم يشهد تدهورا على اعتبار أننا بتنا نشهد حالات للاغتصاب الجماعي والسحل للفتيات من طرف القوات النظامية. كل هذه الحالات تشير صراحة إلى أن وضعية المرأة في مصر عقب الثورة لم تعرف أي تحسن، فقد ظهرت خطابات تسعى لإقصاء المرأة من المشهد العام في البلاد''. وبخصوص مشاركة المرأة المصرية في استمرار الثورة، تقول ضيفة ''الخبر'' إنه على الرغم من الفوضى العارمة التي تبدو عليها الساحة السياسية في مصر، إلا أن أكبر مكاسب الثورة بالنسبة للمرأة هي تخلصها من عقدة الخوف: ''أصبحنا اليوم نشاهد نساء يخرجن للتظاهر من أجل الدفاع عمّا يعتقدن به، وقد رأينا أكبر مظاهرة للنساء في مصر تنديدا بعملية السحل والاغتصاب التي باتت من أساليب الترهيب في الفترة الأخيرة، وكشفت هذه المسيرة الكبيرة مدى وعي المرأة المصرية بضرورة الدفاع عن حقوقها وتمسكها بحقها في التعبير عن صوتها على الرغم من المخاطر. وفي اعتقادي فإن ذلك مكسب كبير''. من جانبها، اعتبرت الدكتورة رجاء بن سلامة أن التونسيات ربحن الكثير من المعارك عقب الثورة، وإن كانت ترى هي الأخرى أن مسار الثورة التونسية ما زال قائما، في تأكيد على أن المعركة متواصلة: ''أعتقد أن المرأة التونسية ربحت أغلب المعارك والوضع أفضل بكثير عمّا كان عليه وقت بن علي، إذ اليوم يمكن لأي تونسي أن يعبر عن رأيه بكل حرية وهذا مكسب غاية في الأهمية، أما بالنسبة لما حققته المرأة فأعتقد أننا نجحنا في جعل الحكومة الحالية تتراجع عن الكثير من القرارات التي اعتقدنا أنها مجحفة في حق المرأة، على غرار الاعتراض على كلمة ''التكامل'' الذي من شأنه فتح اللبس حول حقوق المرأة، وقلنا بضرورة تعويضها بكلمة المساواة، ومن المنتظر أن ينص الدستور على مواد من شأنها ضمان حقوق المرأة''. وفي سياق متصل، أشارت بن سلامة إلى أنه لا يمكن فصل وضعية المرأة عن الوضع العام الذي تعيشه تونس، إذ ترى أن عدم الاستقرار السياسي ساهم في التعتيم على وضعية المرأة: ''فعلى الرغم من السعي لتحقيق العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة، إلا أننا نلاحظ بكثير من الأسف العديد من التجاوزات في حق المرأة، اليوم نحن أمام تحد ورهان من نوع آخر، هناك أطراف تسعى إلى تقييد حريات المرأة باسم مسميات دينية، وهذا ما نسعى لمقاومته دفاعا عن الحريات الفردية. أعتقد أن المرأة اليوم تواجه نوعين من الذكورية التي تسعى لتقييد حريتها، ذكورية تلقائية وهي تلك التي يمارسها المجتمع، وذكورية إيديولوجية تلك التي يمثلها تيار الإسلام السياسي، وهي منظومة فكرية تسعى لإحياء مفهوم القوامة، ما يعني أن المرأة غير مؤهلة''. وترى الدكتورة أن مثل هذا المنطق لا يعكس الواقع الذي يؤكد وجود المرأة بصفتها ناشطة سياسية وفاعلة في المجتمع المدني. سامية بلقاضي
الإعلامية السورية لمى طيارة المرأة في سوريا تعيش أسوأ حالات الخوف قالت الإعلامية والناقدة السينمائية السورية، لمى طيارة، إن العلمانية كلمة تبدو مفزعة لدى المتلقي العربي، إذ ليس لها قاعدة شعبية في المجتمعات العربية، معتبرة أن فكرة المساواة التي تدعو لها العديد من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان لا تلقى إقبالا حتى من النساء العربيات. وقالت ضيفة ''الخبر'' إن المشكلة الرئيسية التي تواجه وضعية المرأة في المجتمعات العربية ليست في سن القوانين بقدر ما هي في التطبيق وتفعيل ما يوجد من القوانين، إذ اعتبرت القوانين التي يسنها المجتمع تسري على المرأة أكثر من القوانين الرسمية: ''سلطة المجتمع أقوى من سلطة القانون وحتى من سلطة الدين''. وأعطت مثالا عن المرأة السورية في الريف والتي لا يحق لها أن ترث أصلا، داعية في هذا الصدد إلى تثقيف المجتمع وليس تغيير القانون، مشددة على رفضها فكرة المساواة المطلقة التي يقول بها البعض، على اعتبار أن ذلك لا يحترم طبيعة المرأة. وأعطت المتحدثة مثالا عمّا يحدث في المجتمع السوري والعديد من المجتمعات الريفية العربية التي تقر بقوانين خاصة بها، من قبيل حرمان المرأة من الميراث بشكل كلي، وقضية قتل الشرف التي ما تزال سائدة في بعض المجتمعات، مؤكدة أن العائلات السورية تتستر على جرائم الشرف رغم أن ذلك فيه هضم لحق المرأة، معتبرة أنه حتى القانون متواطئ في هذا الشأن. من جانب آخر، أشارت السيدة لمى إلى أن الأحداث الأخيرة التي تشهدها سوريا جعلت المرأة أكثر خوفا من قبل، وحتمت عليها تحمل مسؤولية مضاعفة، إذ أصبحت المرأة تعيش حالة من القلق على أفراد الأسرة: ''المرأة في سوريا أصبحت تعيش أسوأ حالات الخوف كزوجة وكأم''، معتبرة أن سوريا بحاجة إلى 40 سنة حتى تشفى من الدمار، في إشارة إلى أنه أيا كانت النتيجة التي ستخلص إليها الأحداث في سوريا ستكون سلبية. الجزائر: د. مصطفى
الناشطة المصرية ماري دانيال العلمانية ليست ضد التدين والحجاب اصطدم الحديث عن وضعية المرأة في دول الربيع العربي بالجدل القائم في هذه الدول حول طبيعة نظام الحكم، إذ اعتبرت ضيفات ''الخبر'' أن النظام العلماني وحده كفيل بضمان احترام حقوق المرأة وحق المواطنة للجميع، في التأكيد على أن تيارات الإسلام السياسي التي نجحت في الوصول إلى السلطة تعيش حالة من التناقض والازدواجية في خطابها. وأشارت الباحثة والمناضلة السياسية التونسية، رجاء بن سلامة، أن ''العلمانية ليست وراءنا بل أمامنا وهي الحل الوحيد للخروج من البؤس السياسي''، مؤكدة أن الاستطلاعات الأخيرة كشفت عن تراجع شعبية حركة النهضة الإسلامية بعد وصولها إلى الحكم، وبعد ما أسمته ''الفشل في تسيير البلاد على كل الأصعدة''. وتعتقد الباحثة التونسية أن القاعدة الشعبية في تونس كشفت زيف الخطاب الديني الذي ميز التيار الإسلامي، وعليه ترى في ذلك فرصة لظهور قاعدة أطلقت عليها ''العلمانية الشعبية''، وهي لا تخلط بين العلمانية بوصفها مفهوما ينص على تحييد المساجد والإدارة، ويضمن المساواة بين المواطنين أمام القانون، وليس كما يروج له المناهضون للعلمانية على أنها ''معاداة للدين وكفر''. وهو ذات ما ذهبت إليه الأستاذة ماري دانيال التي اعتبرت أن الدولة المدنية هي الضامن الوحيد لتعايش سلمي بين أبناء الشعب الواحد، خاصة في ظل وجود مواطنين من أديان مختلفة: ''أنا قبطية ولا أستطيع أن أنتقد القوانين إذا كانت مستمدة من الشريعة الإسلامية، ببساطة لأنني سأكون حينها أتطاول على الإسلام، أو على الأقل هكذا سيُفهم الأمر. وفي اعتقادي فإن الاحتكام لقوانين وضعية مدنية من شأنه حماية جميع المواطنين على اختلافهم الديني والطائفي، ولهذا تجدنا في المظاهرات نصر على شعارات من نوع علماني وليس كافر، لأن ما يجب أن يفهمه الجميع أن العلمانية ليست ضد الحجاب أو التدين''. ومن النقاط التي اتفقت عليها ضيفات ''الخبر''، تلك المتعلقة بالوضع العام الذي تعيشه دول الربيع العربي، والتي تجعل من رهان الاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي أكبر تحديات دول الربيع، وأكدن على أن الفقر هو أكبر مهدد لحريات المواطن، رجلا كان أو امرأة، في إشارة صريحة إلى أن التطرف الفكري لا يجد وسطا خصبا إلا بين المعوزين، وأن مسألة الحقوق والحريات مرتبطة أساسا بمفهوم المواطنة والحرية والعدالة التي قامت من أجلها الثورات. ب. سامية
قالت ضيفات ''الخبر'' * لمى طيارة ''ما تعيشه سوريا حرب بالوكالة، هناك قوى إقليمية تسعى لتطبيق أجنداتها في المنطقة من خلال الأحداث بسوريا''. * رجاء بن سلامة ''بلدان الربيع العربي مختبرات للديمقراطية، وعلى القوى الخارجية أن تتوقف عن التدخل وتتركنا نمارس تجربتنا، إذ أننا نثق في الصناديق''. * ماري دانيال ''المرأة المصرية نجحت في كسر عقدة الخوف التي كانت تكبلها، ولن تسمح لأي كان بالتطاول على حقوقها من جديد''.
ضيفات ''الخبر'' في أسطر * ماري دانيال الناشطة السياسية وشقيقة مينا دانيال، إحدى ضحايا أحداث ماسبيرو، شاركت في الثورة المصرية وكانت ممن قابلوا الرئيس المصري محمد مرسي. * رجاء بن سلامة باحثة تونسية، دكتوراه الدولة في اللغة والآداب والحضارة العربية، درست أيضا التحليل النفسي بتونس وبفرنسا، وهي أحد الأعضاء المؤسسين لرابطة العقلانيين العرب، و''الجمعية الثقافية التونسية للدفاع عن اللائكية''. * لمى طيارة إعلامية سورية وناقدة سينمائية، اشتغلت على صورة المرأة في السينما العربية، مهتمة بوضع المرأة في المنطقة العربية.