أنهت فصيلة الأبحاث للدرك الوطني بعنابة الاستماع إلى 91 شخصا، بينهم مديرون عامون ورؤساء مصالح وإطارات مركزيون ومحليون بمحافظة بنك الجزائر والبنك الوطني الجزائري ووزارة التجارة، في فضيحة فساد كبرى بعملاق الفوسفات، أطلق عليها اسم ''فرفوس 20''. تعتبر هذه الفضيحة امتدادا لقضية فساد أخرى ''فرفوس ''01 محل معالجة قضائية حاليا على مستوى غرفة الاتهام بمجلس قضاء عنابة، متورط فيها 29 شخصا بتهم سوء التسيير وتبديد أموال عمومية وإبرام صفقات بيع الفوسفات مخالفة للأسعار الحقيقية المعتمدة في البورصة الدولية، إضافة إلى منح امتيازات غير مبررة لفائدة شركات أجنبية ومجهزي سفن. واستجوبت فرق من الخبراء الدركيين بالقيادة العامة للدرك الوطني، رفقة ضباط بفصيلة الأبحاث بعنابة، الإطارات المحليين والمركزيين المتورطين في فضيحة تهريب شركة هولندية مفلسة ''ترموفوس أنترناسيونال'' مئات الأطنان من الفوسفات الجزائري إلى هولندا، دون حصول الطرف الجزائري، ممثلا في مركب ''سوميفوس'' التابع لمجمع ''فرفوس'' لإنتاج الفوسفات بمنطقة جبل العنق بولاية تبسة، على مستحقات بيع وتصدير الفوسفات الخام إلى دولة أجنبية بقيمة 4 ملايين دولار. واستمعت قيادة الدرك الوطني في بداية التحقيق إلى مسؤول وإطارات وحدة الشحن التابعة لمركب ''سوميفوس'' بميناء عنابة، باعتبار أن الشحنة المهربة إلى هولندا انطلقت من الرصيف المخصص للوحدة بداخل الميناء، وتم شحنها على متن الباخرتين الأجنبيتين ''سير البار'' البانمية و''فيكتور أكاشوف'' الكازاخستانية، اللتين قامتا بتاريخي 3 أوت و15 سبتمبر 2012 بنقل حمولة فوسفات خام تصل إلى 33 ألف طن صوب ميناء ''روتردام'' الهولندي. وزاد الملف تعقيدا إثر السماح بخروج الباخرتين من طرف مصالح الجمارك بميناء عنابة، بعد أن لجأ صاحب الشركة الهولندية إلى تغيير اسم الشركة المراد تسليمها الشحنة من ''ترموفوس أنترناسيونال'' إلى شركة سويسرية تحمل اسم ''ديكو إست''، حيث قام المسير الهولندي بإرسال ''رسالة إلكترونية'' في نفس اليوم الذي تم فيه شحن الباخرتين في حدود الخامسة صباحا، بطلب غير قانوني بتغيير اسم الشركة المستوردة للفوسفات من الجزائر، ما يعتبر في الجانب القانون خرقا للتشريع الجمركي يعاقب عليه القانون والنظام الداخلي للجمارك الجزائرية، إذ من غير المعقول أن يوقع ضباط الجمارك على وثيقة تغيير اسم الشركة المستوردة والسماح لها بمغادرة التراب الوطني بهذه السهولة. ويحدث هذا في الوقت الذي تنقل، منذ أسبوع، وفد من مجمع فرفوس يقوده رئيس مجلس إدارة شركة ''سوميفوس''، إلى هولندا وسويسرا لعقد جلسات عمل مع مصفي الشركة الهولندية ومسير شركة ''ديكو إست'' السويسرية، التي استفادت من الحمولة بعد التنازل عنها من طرف المسير الهولندي، من أجل استرجاع الطرف الجزائري جزءا كبيرا من المبلغ المقدر ب2,1 مليون دولار قيمة شحنة باخرة ''سار البارت''. الطامة الكبرى في ملف الحال، حسب مصادرنا، تمثلت في رفض الشركة الجزائرية للتأمين وضمان الصادرات ''كاجكس'' منح مجمع فرفوس أموال الضمان على الشحنة المستوردة، جراء مخالفة مسؤوليها للتشريع وعدم تجديد عقود التأمين في الآجال المحددة، ما ضيع على عملاق الفوسفات حق تأمين حقوقها لدى الزبون الهولندي، إضافة إلى عدم توطين أموال الصفقة لدى بنك الجزائر والبنك الوطني الجزائري، الذي من المحتمل أن يكون مسؤولوه قد خرقوا قوانين الصرف. وكشفت جلسات الاستماع، حسب مصادرنا، بروز معطيات خطيرة في الملف، حيث أن الشركة الهولندية ''المفلسة'' ''ترموفوس أنترناسيونال''، العملاق العالمي في الكيمياء والفوسفور، برقم أعمال يصل 750 مليون أورو سنة ,2011 قد أعلنت وأخطرت، في جويلية الماضي، الطرف الجزائري وجميع المتعاملين بحالة الإفلاس والتصفية التامة لأكثر من 9 مصانع منتشرة في عدة دول أوروبية، إلا أن الفوضى وسوء التسيير والتلاعب بالأموال العمومية على مستوى مجمع فرفوس، جعلت الشركة الهولندية المفلسة تستفيد من شحنة بوزن 33 ألف طن من الفوسفات دون مقابل. كما اكتشف ضباط الدرك الوطني أن مسؤولي مؤسسة سوميفوس ''لم يتقيدوا بجميع التدابير القانونية الواجب اعتمادها في إبرام صفقات بيع وتصدير مادة الفوسفات الخام إلى دولة أجنبية، بداية بعدم احترام التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، حيث لم يسلم الطرف الهولندي، الممثل في شركة ''ترموفوس أنترناسيونال''، قبل خروج الشحنة وثيقة إلزامية تعتبر بمثابة ضمان للحقوق المالية للمؤسسة الجزائرية، وتحمل اسما قانونيا هو ''رسالة القرض''، الواجب تحريرها من طرف الشركة الأجنبية من أجل توطين أموال الصفقة المقدرة قيمتها بأكثر من 4 ملايين دولار لدى البنك الوطني الجزائري المعتمد من طرف الشركة الجزائرية ''سوميفوس''. وأضافت المصادر أن الحمولة الأولى التي تم شحنها على متن الباخرة البانمية لم تحترم فيها الطريقة القانونية في توطين الأموال، في حين أن الباخرة الثانية لم يسلم الزبون الهولندي بتاتا وثيقة ''رسالة القرض''، ما طرح تساؤلات حول الجهة التي رخصت بمغادرة الباخرة المعبأة بأكثر من 18178 طن من الفوسفات دون تحصيل الطرف الجزائري الحقوق المالية لخزينة الدولة.