تزايد فاتورة الأعباء يقلّص عدد وحدات التكييف تحظى شعبة التمور في الجزائر باهتمام السلطات العمومية، خاصة في السنوات الأخيرة، من خلال الكم الهائل من التحفيزات والقرارات التي بادرت بها عدد من الوزارات والهيئات، في محاولة منها لتطوير الإنتاج وتفعيل أرقام التصدير. يثبت واقع الحال أن هذا المنتوج الهام لم يتمكّن من التغلب على المشاكل التي تحاصره، وظلت نسبة الصادرات ضئيلة جدا مقارنة بمستوى التطلعات، حيث لم تتجاوز نسبة 3 بالمائة من الكمية المنتجة، والمؤسف أن ''دفلة نور'' لم تعد في متناول المستهلك، بسبب ارتفاع سعرها المرشح للارتفاع إلى أكثر من 500 دينار للكيلوغرام، بعد تنامي ظاهرة التهريب وتزايد عدد المضاربين. اقتحام التوانسة للسوق يقضي على مخزون غرف التبريد الجديد في عملية تسويق التمور هو اقتحام مجموعات من التونسيين، بمساعدة أشخاص من منطقة تبسة، مجال شراء منتوج التمور، حيث أوضح رئيس جمعية منتجي التمور، خالد لعجال، أن مناطق الإنتاج كطولفة وبرج بن عزوز وفوغالة ولغروس والدوسن، وغيرها، تعرف قدوم أشخاص من تبسة يتكفلون بعملية الشراء، في حين يبقى التونسي في سيارة رباعية الدفع، بعيدا عن الأنظار، وبحوزته الأموال. وحسبه، فإن هذا ''الاقتحام'' ساهم في رواج التمور ونفاد مخزونها من غرف التبريد. والملاحظ أنها بيعت بسعر يتراوح ما بين 400 إلى 450 دج للكلغ، وإذا ما تواصل هذا الحال سيقفز الثمن إلى أكثر من 500 دج بالجملة. ومن المنتظر أن يكون شهر رمضان القادم من دون ''دفلة نور''، وربما سيكتفي المستهلك بتناول بقية الأنواع، كالغرس و''المنفر'' إن نضج في تلك الفترة. من جانب آخر، أوضح خالد لعجال أن التمور تسوّق، كذلك، إلى مغنية بولاية تلمسان، لتتوجه إلى المغرب، بواسطة تجار تلك الجهة. وبرأيه، فإن هذا الإقبال يساعد الفلاح على ترويج بضاعته، عكس السنوات القليلة التي عرفت بعض الكساد، بفعل الاختلال الذي طرأ على السوق. الدخلاء والمضاربون يلهبون الأسعار يؤكد رئيس جمعية مصدّري التمور، يوسف غمري، أن بين الفلاح والمصدّر ''جيشا'' من المصدّرين. وحسبه، فإن عالم التمور يشهد، في السنوات الماضية، اقتحام الدخلاء والمضاربين بشكل لافت، وبطريقة عشوائية تسببت في رفع الأسعار. فهؤلاء، يقول السيد غمري، يتداولون التمور ويهدفون إلى الربح فقط، عكس الفلاح، الذي قبل أن يبيع بضاعته يقوم بتصنيفها وفرزها. وأرجع محدثنا هذه المضاربة إلى قدوم شهر رمضان قبل موسم الجني، ما شجّع الدخلاء على تكديس التمور وتخزينها بطريقة عشوائية، ودون احترام المقاييس التي تأخذ في الحسبان بأن مادة التمر سريعة التلف، والنتيجة أن سعر الكلغ الواحد فاق 400 دج في موطنه الأصلي، ولم يعد في متناول المستهلك. هذا المعطى، يقول رئيس جمعية مصدّري التمور، فوّت على المصدّرين فرصة مضاعفة كميات التصدير، على اعتبار أن المصدّر يحوز على عقود تخضع للسوق العالمية لا يمكن تجاوزها. إضافة إلى ذلك، فإن التمور في حركة تجارية دون علامة حصرية على المستوى الوطني، فهي تنتقل من مكان إلى آخر، في غياب الشروط التي تنظمها، رغم أن القوانين موجودة، ولا تنتظر سوى التطبيق بما يسمح بإبعاد الدخلاء، والحد من الفوضى. اتساع رقعة المقايضة وتأثير الحرب في مالي يؤكد العارفون بسوق التمور أن المقايضة، التي كانت تتم في جنوبالجزائر بين منتوج التمور وسلع أخرى، خرجت، في الوقت الراهن، عن إطارها القانوني، فبعد أن كانت محصورة في أربع ولايات أقصى الجنوب، وتستهدف، بالأساس، أنواعا أخرى من غير ''دفلة نور'' أصبحت، الآن، تشمل التمور الصناعية المعروفة بالنوع الثاني، التي تنتج في ولايات الوادي وغرداية وورفلة، والتي يقبل عليها المصدّرون، لترافق النوعية الممتازة في عملية التصدير. وبحسب من تحدث إلينا، فإن المقايضة ساهمت، هي الأخرى، في رفع السعر، وكانت لها نتائج سلبية على الاقتصاد الوطني. وما زاد الطين بلة ما يقع، الآن، في مالي، وغلق الحدود التي تسببت في تكديس التمور وتفويت الفرصة على المصدّرين، الذين أبرموا عقودا بأسعار لا يمكن التراجع عنها. تزايد الأعباء وضعف المردودية يدفع الوحدات نحو الغلق إلى وقت قريب كانت تعرف ولاية بسكرة بالمنطقة التي يرتكز فيها نشاط وحدات التكييف والتصدير، حيث كانت تعد العشرات من المصانع الناشطة في هذا المجال، والتي تستوعب الآلاف من الأيدي البسيطة، خاصة في موسم الجني. لكن اليوم لم يبق منها سوى نحو 10 وحدات مازالت صامدة، حيث أصبح كبار أصحاب رؤوس الأموال يفضّلون الدخول في نشاطات أخرى أكثر ربحا من التمور. ويرجع أهل الاختصاص هذا التراجع إلى تزايد فاتورة الأعباء المختلفة، رغم الاستفادة من الإعفاء الضريبي، وكذا ضآلة المردودية، وتداخل عدة عوامل في عملية التصدير، بدءا بارتفاع سعر التمور واختراق مجال التمور من قِبل الدخلاء وعدم توفر اليد العاملة. وفي هذا الصدد، أوضح رئيس جمعية مصدري التمور أن اليد العاملة تحوّلت إلى عائق كبير قد يخلّ بالطلبات، مشيرا إلى أن الميكانيزمات التي أقرّتها الدولة لفائدة الشباب، في إطار مشاريع ''أونساج'' و''كناك''، تحوّلت إلى نقمة، وتسببت في عزوف الشباب، من كلا الجنسين، عن العمل في مجال فرز وتوضيب التمور، رغم توفر شروط العمل الملائمة والاستفادة من التأمين. وتواجه، حاليا، وحدات التمور مشكلة عدم التأهيل، على اعتبار أنها أنجزت في سنوات سابقة لم تكن الشروط العالمية موجودة. وحسب يوسف غمري، فإنه لابد من الإسراع في عملية تأهيل المؤسسات وفق المقاييس العالمية للصناعات الغذائية، مؤكدا أن هناك برنامج وزارة الصناعة والمؤسسات المتوسطة والصغيرة وترقية الاستثمار، من أجل إعادة تأهيل هذه المؤسسات، وبسكرة كقطب صناعي بالنسبة للتمور دخلت هي الأخرى في هذا البرنامج. ويصنّف المصدّرون الشروط اللوجيستيكية من بين أهم الأسباب التي تحول دون ترقية صادرات التمور، التي لم تتجاوز سقف 20 ألف طن من مجموع إنتاج يقارب 850 ألف طن سنويا، لجميع أنواع التمور، حيث يوجد منها نحو 50 بالمائة نوع ''دفلة نور''، ويقصد بكلمة اللوجيستيكية ما تعلّق بالنقل الجوي، الذي مازال، برأيهم، باهظ الثمن وخارج نطاق الخدمة، في حين أن النقل البحري يعد الوسيلة الوحيدة لنقل التمور، لكن الإشكال المسجل يكمن في أن الجزائر تفتقر للوجهات، فبخلاف خط مرسيليا لا توجد مناطق أخرى تتوجه لها الباخرة، حيث يضطر المصدّرون إلى شحن بضاعتهم نحو فرنسا، على أن يتم تحويلها بعد أيام إلى جهات أخرى. وبرأي عدد من المصدّرين، فإن هذا العامل حال دون فتح أسواق جديدة، على غرار دول شرق آسيا كأندونيسيا وماليزيا، ناهيك على أنه يبقى رهينة بين أيدي شركات نقل بحرية أجنبية تتصرف كيفما تشاء. إلى ذلك فإن الانتشار العشوائي لغرف التبريد، في جميع ولايات الوطن، التي أنجزت في غياب تام للمقاييس القانونية، نجم عنه فوضى التخزين للتمور، التي تصنّف في خانة بضاعة سريعة التلف وتحتاج لقواعد ومقاييس معينة لحفظها في هذه الغرف. حوافز بالجملة لم تشفع لرفع الصادرات يعترف المنتمون لقطاع التمور بأن السلطات العمومية تولي اهتماما كبيرا بهذه الشعبة، من خلال جملة من القرارات ''الهامة'' التي صبّت لفائدتهم، من أجل تذليل العقبات ومنحهم امتيازات تساعدهم على رفع الإنتاج وترقية الصادرات، لكن الملاحظ أن أرقام الصادرات بقيت جامدة في مكانها. ومن أهم الامتيازات التي لفتت الانتباه، في المدة الأخيرة، ذكر المصدّرون ما قامت به وزارة الفلاحة، التي خصصت القرض ''الرفيق'' الذي أعطى، برأيهم، نتائج جيدة، حيث مكّن المصدّر من الحصول على رأس مال في الوقت المطلوب، ومن دون فوائد، لشراء التمور وتخزينها، إضافة إلى مساهمة هذه الوزارة في تنظيم شعبة التمور، بخلق مجلس وطني مهني مشترك قصد الاستشارة لمعرفة كل العراقيل المطروحة، قطب استشاري له صلاحية تمثيل الشعبة من المنتج إلى المستهلك. أما وزارة الصناعة فتعكف على إعادة تأهيل مصانع التمور، بالاستعانة بالخبرة الألمانية، ضمن مخطط ''كلوستر دات'' وقدّمت كل الإعانات، وهي تتابع كل ما يجري في هذا القطاع. كما أشاد هؤلاء بدور الجمارك الذين فتحوا الأبواب للمصدّر على مستوى ميناء الجزائر، وتخصيص مكتب خاص للمصدّرين لإزالة صور البيروقراطية. بخلاف ذلك فإن دور وزارة التجارة، وبإجماع المصدّرين، يفتقد للفعالية، رغم أن دورها مهم جدا من حيث تنظيم السوق وترويج المنتوج. وفي هذا السياق، أعاب من تحدث إلينا احتكار المؤسسة الجزائرية للمعارض والتصدير ''صفاكس'' تمثيل المنتوج الجزائري في الخارج، حيث تستخدم إمكانات وطرق تجاوزها الزمن. واستدل رئيس جمعية مصدّري التمور بصالون باريس، في أكتوبر 2012 ، حيث كان جناح الجزائر عبارة عن كوخ أمام قصور، مقارنة بدول عربية مجاورة. وحسبه، فإن الإمكانات المالية المسخرة غير مستغلة.