على عكس 2008، لم يعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن تعديل الدستور في خطاب مباشر، يكشف فيه عن التوجه الذي سيأخذه التغيير الذي يريده في القانون الأعلى. وعلى خلاف ما جرى مع لجان أقلّ أهمية تعلقت بإصلاح القضاء وهياكل الدولة، التي أشرف على تنصيبها بنفسه، رفض الرئيس أن يفعل نفس الشيء مع لجنة ستصيغ تعديلات عميقة على الدستور، إذا أخذت في الحسبان وعوده السابقة. أكثر ما يلفت الانتباه في اللجنة المكلفة بإعداد المشروع التمهيدي للقانون المتضمن تعديل الدستور، أن أعضاءها ليسوا أصحاب أوزان سياسية وإنما يغلب عليهم الطابع الأكاديمي التقني، ما يدعو إلى الاعتقاد أنهم مكلفون بخياطة اللباس الخارجي الذي يريده بوتفليقة لنسخة الدستور الجديد، وليس صياغة الجوهر الذي ينطوي عليه المشروع، الذي يفترض وفق الإخراج الذي اختاره الرئيس لتعديل الدستور، أنه أعد سلفا على أيدي فريق من الفاعلين في النظام. والدليل أن اللجنة تم تنصيبها بعد عامين تقريبا من خطاب الإعلان عن الدستور، ويرجح بأن هؤلاء الفاعلين أخذوا ما يكفي من الوقت للتوصّل إلى توافق على دستور يحفظ توازنات النظام. والملاحظ أيضا أن الإعلان عن تعديل الدستور تم عن طريق بيان وزعته وكالة الأنباء الجزائرية، بينما كان بإمكان الرئيس استغلال فرصة تنصيب اللجنة ليخاطب الجزائريين، فيكشف عن المحاور الكبيرة التي سيأخذها التعديل. بعبارة أوضح، تم إبلاغ الجزائريين بوجود لجنة ستصيغ تعديل الدستور، لكن أهم شيء بقي مجهولا هو مضمون تعديل الدستور! وإذا أخذنا في الاعتبار وعود الرئيس في 2008 عندما قال إنه سيكتفي بتعديل طفيف (منح لنفسه عهدة ثالثة)، في انتظار التعديل العميق، يعني أن اللباس الذي سيخيطه عزوز كردون ورفاقه، سيعرض على الاستفتاء. فالتعديل العميق للدستور هو مرادف لإحداث تغيير في التوازن داخل السلطة، وفي هذه الحالة لا يمكن الاكتفاء بتمرير التعديل على البرلمان. وإذا عرض بوتفليقة مشروعه على الاستفتاء، سيواجه لا محالة احتمال عزوف شعبي عن الصندوق. وقبل ذلك، هل سنرى الرئيس يقود حملة الترويج للمشروع في الميدان؟ هل ظروفه الصحية تسمح بخوض حملة لصالح المشروع كما فعل بمناسبة استفتاءي الوئام والمصالحة؟ واللافت أيضا في تعديل الدستور المعلن، أن بوتفليقة ''اختبأ'' وراء لجنة الاستشارة التي جمعت اقتراحات الشخصيات والأحزاب والجمعيات حول الإصلاحات السياسية. إذ بدل أن يقود هو المشاورات، كلف بن صالح بتأدية هذا الدور. وبدل أن يشرف هو على تنصيب لجنة الصياغة، كلف سلال بذلك. ولا يعرف بعد عامين تقريبا، حصيلة الاستشارة التي قام بها بن صالح، كما لا يعرف الأشخاص الذين اشتغلوا على بلورة المقترحات في المشروع، هل هم سياسيون أم موظفون في الرئاسة أو في مؤسسات أخرى؟ هل هم عسكريون ينتمون إلى جهاز الأمن؟ ويوجد تفسير واحد، على الأرجح، لاختيار البدء في مراجعة القوانين بدل تعديل الدستور في مسار ما يسمى ''إصلاحات سياسية''، هو أن الرئيس مع رجال ''السلطة الفعلية'' أعطوا لأنفسهم فسحة من الوقت لإيجاد توافق يبقي على التوازن الذي مكنهم من التعايش طيلة 14 سنة. أما تعديل قوانين الانتخابات والإعلام والأحزاب والولاية والبلدية، فلا يؤثر على هذا التوازن. والأصل أن الدستور هو الأرضية، وأي إصلاح سياسي جاد يفترض أن يبدأ من الأرضية لكن العكس هو الذي حدث! ومن المؤكد أن نص تعديل الدستور جاهز، أما الإعلان عن اللجنة وأعضائها فمجرد ديكور. لكن اللغز الكبير في القصة هو: هل سيكون التعديل جوهريا؟ هل سيمس المادة 74؟ هل سيوسع من صلاحيات رئيس السلطة التنفيذية، أم في سلطات البرلمان وبقية مؤسسات الرقابة؟ هل سيعطي فسحة لهوامش ممارسة الديمقراطية والحريات والحقوق، أم سيكرّس هيمنة الجهاز التنفيذي ويزيد من ضعف وهوان المجالس المنتخبة؟ وفي كل الأحوال، فإن تعديل الدستور الجديد يكشف بأن السلطة عاجزة بعد 50 سنة من الاستقلال، عن إيجاد دستور يضمن استقرار المؤسسات.