حرَّم الإسلام الاعتداء على المسلم في أموره كلّها، ورتَّب على تجاوز تلك الحُرم العقاب الأليم والعذاب الشّديد. والمسلم له حرمته عند الله ومكانته بين المسلمين، فلا يحلّ لأحدٍ أن يَحُط من قدره، ولا يهينه بأيّ وجه من الوجوه، أو أن يفعل ما يكون سببًا في انتهاك حرمته، ويشمل ذلك: ؟ حرمة دمه: وهذا يعني أنّ دم المسلم على المسلم حرام، ولا يحلّ دمُه إلاّ بإحدى ثلاث، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''لا يحلُّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: الثيِّب الزاني، والنّفس بالنّفس، والتّارك لدينه المفارق للجماعة''، والمسلم أعظم عند الله من الدُّنيا كلِّها، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''لَزَوال الدُّنيا أهون على الله من قتل رجلٍ مسلم''، ونظر ابن عمر، رضي الله عنهما، إلى الكعبة فقال: ''ما أعظمك وما أشدَّ حُرمَتك، والله لَلْمُسلم أشدُّ حرمة عند الله منك''. ؟ حرمة عرضه: وذلك يتضمّن عدّة أمور منها: حرمة الحقد، والحسد، والسب، والقذف، والغيبة، والنميمة وغير ذلك، فهذه كلّها ممّا حرّمها الإسلام، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المحصَنَاتِ الغَافِلاَتِ المؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ من قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا منْهُمْ وَلاَ نِسَاء من نسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا منهنّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. واجتناب سوء الظنّ والغيبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا من الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رحيم}. ؟ حرمة ماله: فقد حرَّم الإسلام سرقة مال المسلم أو غصبه، والتعدّي عليه، وأكله بالباطل، كالرِّبا وغير ذلك، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ منكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. وقال الله عن الرِّبا: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ}. فسمَّى الرِّبا ظلمًا، لأن فيه ضررًا على المأخوذ منه. وكذا حرّم الإسلام البيع على بيع الغير، كأن يبيع سلعة بسعر كذا، فيأتيه آخر يقول: أبيعك مثلها بأرخص منها، أو يبيع الرجل لآخر سلعة وذلك بالاتفاق بينهما، ثمّ ينقض البيع دون اتفاق، فيبيعها لآخر، وفي الحديث: ''ولا يبع بعضكم على بيع بعض''. وحرم النَّجَش، وهو رفع ثمن السِّلعة لا من أجل شرائها، ولكن لمخادعة النّاس، كما يحصل اليوم في الأسواق، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: ''ولا تناجشوا''. وكذا حرَّم الغشّ لما فيه من الخداع وأكل الأموال بالباطل، فقد ثبت أنّ النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، جاء إلى السوق فوجد رجلاً يبيع طعاما، فوضع الرّسول يده أسفل الطعام فوجده مُبْتَلاً فقال: ''ما هذا يا صاحب الطعام؟''، قال: أصابته السّماء يا رسول الله! قال: ''أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه النّاس؟ مَن غشَّ فليس منّي''. وحرَّم التّدليس وأكل أموال العقارات ومحاولة الزّيادة فيها، فقال: ''مَن ظلم قيد شِبْر من الأرض طُوِّقَه من سبع أَرَضِين''. ؟ حرمة المسلم ميِّتًا كحُرمته حيًا: فقد أخرج أبو داود وابن ماجه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''كسر عظم الميت ككسر عظم الحي''. وروى الحاكم في المستدرك عن أبي رافع قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن غسل ميِّتًا فكتم عليه غفر له أربعين مرّة، ومَن كفن ميّتًا كساه الله من سندس واستبرق الجنّة، ومَن حفر لميّت قبرًا وأجنّه فيه أجري له من الأجر كأجر مسكن إلى يوم القيامة''. *إمام مدرّس وعضو مجلس الإفتاء بالعاصمة