برزت خلال السنوات العشر الماضية عدة قضايا خلافية بين الجزائر وشركات دولية في قطاعات الطاقة والمناجم والموارد المائية والأشغال العمومية، نتجت عن سوء تقدير أو سوء تسيير للملفات أو ضعف القدرة التفاوضية أو تراجع عن التزامات، واستغلت المجموعات الدولية نصوص قانون الاستثمار والأطر التشريعية ووظّفتها للجوء آليا إلى التحكيم الدولي، متجاوزة الهيئات القانونية المحلية التي غالبا ما تتسم بالطابع البيروقراطي الإداري. وأضحت هذه القضايا إلى جانب طابعها الابتزازي نزيفا ماليا جديدا. فإلى جانب الأعباء المتصلة بالقضايا، مع استعانة الجزائر لمكاتب الخبرة والمحاماة الدولية، فإن الجزائر قامت أيضا بتعويض، سواء بصيغة التراضي على شاكلة قضية أناداركو ميرسك سوناطراك، بفعل تطبيق الجزائر للرسم على الأرباح الاستثنائية في قطاع النفط بأثر رجعي، أو تعويض غير مباشر على شاكلة قضية إيديسون الإيطالية بعد فرض مراجعة أسعار الغاز لصالحها ضد سوناطراك. ولا تزال الجزائر معرضة لاحتمال دفع تعويضات مالية معتبرة في قضايا قدمت لدى الغرفة التجارية للمنازعات بباريس أو مركز المنازعات الدولية الخاص بالاستثمار بواشنطن. من الهاتف إلى المياه مرورا بالنفط ملايير الدولارات فقدتها الجزائر في سنوات قليلة
لجأت شركات أجنبية عملت في الجزائر إلى التحكيم الدولي بسبب خلافات اقتصادية في مجالات متعددة من قطاع الإتصالات والمياه والنفط، وخسرت العديد منها، مما كلّفها ملايير الدولارات التي دفعت كتعويضات في انتظار الفصل في قضايا أخرى لازالت قيد الدراسة. وكان قطاع النفط من بين أكبر القطاعات التي كانت فيها الجزائر عرضة لمتابعات قضائية أمام التحكيم الدولي، حيث أن الكثير من المؤسسات قررت الحصول على تعويضات بالقوة من الجزائر، على غرار أناداركو الأمريكية التي تحصلت على 4,4 مليار دولار كتعويضات بعد لجوئها للتحكيم الدولي بسبب قانون المحروقات 2006 الذي أقر برفع الضرائب على الأرباح النفطية. وهو نفس السبب الذي اتخذته مارسك ذريعة لمقاضاة الجزائر أمام الهيئة الدولية لتسوية النزاعات في 29 جويلية 2009، حيث تحفظت مارسك مثل أناداركو على عدد من المسائل المرتبطة بفرض الرسوم على الأرباح الاستثنائية من قبل الجزائر على المجموعات الدولية العاملة في قطاع النفط. وفي نفس السياق لجأت غاز ناتورال الإسبانية للتحكيم الدولي بسبب أسعار الغاز. وقد اتفقت هذه الأخيرة مع سوناطراك على تسوية الخلاف بعد الحكم الصادر في أوت 2010 عن محكمة التحكيم بشأن سعر الغاز. وفي نفس قطاع النفط ولنفس السبب قرّرت شركة ''إيديسون'' الفرنسية والتي يربطها عقد شراكة مع المجمّع النفطي العمومي سوناطراك، اللجوء إلى المحاكم الدولية بسبب ما وصفته ب''السعر غير العادل للغاز'' الذي تنتهجه الجزائر. كما دخلت الجزائر في نزاع مع غاز ناتورال وسيبسا الإسبانيتان، على خلفية ملفات مراجعة أسعار الغاز وتقييد دخول سوناطراك سوق الغاز المحلي الإسباني والتأخر في تجسيد مشروع الغاز قاسي طويل. وهناك قطاع آخر شهد العديد من المشاكل منذ 2009 وهو قطاع الإتصالات الذي تميّز في السنوات الأخيرة بمشاكل متعامل الهاتف النقال جيزي، حيث قرر رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، رئيس مجلس إدارة شركة ''ويذر إنفستمنت''، التقدم بدعوى للتحكيم الدولي ضد الحكومة الجزائرية، يطلب بموجبها خمس مليارات دولار أمريكي، كتعويض عن الأضرار التي لحقت بحصة شركته في شركة ''جازي'' للاتصالات في الجزائر. وذكرت شركة ويذر إنفستمنت أن الإدعاء ناتج عن إخلال الجزائر في مناسبات عديدة بالتزاماتها القانونية الدولية تجاهها، وذلك بموجب معاهدة الاستثمار بين الجزائر والاتحاد الاقتصادي لبلجيكا - لوكسمبورغ. شركة أخرى قي قطاع آخر لجأت للتحكيم الدولي وهي المؤسسة الألمانية ''جيلسان ويسر'' المتخصصة في مجال المياه والتي قررت رفع دعوى أمام محكمة باريسية متخصصة في القضايا التجارية العالمية ضد وزارة الموارد المائية والتي تتهمها بفسخ تعسفي للعقد الذي كان يربطهما والمتعلق بإنجاز مشاريع في ولايتي عنابة والطارف. وتبرز الشركة الألمانية الأضرار الناتجة عن فسخ العقد من جانب واحد مطالبة بتعويضات عن الأضرار يمكن أن تصل الى 10 ملايير دولار. الجزائر: سفيان بوعياد
ستغرم الجزائر 40 بالمائة من تكلفة إنجاز المقر الجديد ''أس أم إي'' الكندية تطالب الجوية الجزائرية ب 32 مليون أورو طالبت الشركة الكندية ''أس أم إي'' في إطار لجوئها إلى التحكيم الدولي، بخصوص خلافها مع الخطوط الجوية الجزائرية حول مشروع المقر الجديد لهذه الأخيرة، تعويضا قيمته 32 مليون أورو، ما يعادل 40 بالمائة من التكلفة الإجمالية للمشروع المتفق عليها التي تقارب 82 مليون أورو. كشف مصدر من الشركة الكندية أن هذه الأخيرة طلبت تعويضا قيمته 32 مليون أورو، في إطار لجوئها إلى التحكيم الدولي بالغرفة التجارية الدولية بباريس بعد أن احتجت على عراقيل منعتها من إتمام مشروع إنجاز المقر الجديد للخطوط الجوية الجزائرية المتواجد بحي الأعمال في باب الزوار في الجزائر العاصمة، إثر خلاف كانت ''الخبر'' السباقة في كشفه في أعدادها السابقة، معلنة إمكانية لجوء الشركة إلى التحكيم الدولي. وتهدف الشركة الكندية من خطوتها هذه إلى تحصيل مستحقاتها المتمثلة في تسبيقات مالية يتطلب من الخطوط الجوية الجزائرية أن تدفعها مقابل تحقيق تقدم في أشغال المشروع الذي فازت بصفقته المؤسسة الكندية في عهد الرئيس المدير العام السابق للجوية الجزائرية، وحيد بوعبد الله، في شهر جويلية 2010 تبعا لمناقصة دولية شاركت فيها الشركة الإسبانية ''أو. أش. أل''. وهددت شركة ''أس.أم. إي'' باللجوء إلى التحكيم الدولي بعد أن راسلت مسيري الخطوط الجوية الجزائرية، بمن فيهم رئيسها المدير العام الحالي الذي استقبل المسؤول الأول على المجمع الكندي لحل الخلاف بالتراضي قبل أن تتدهور العلاقة بين الطرفين، حيث اجتمع الرئيس المدير العام للخطوط الجوية الجزائرية، محمد الصالح بولطيف، مع الرئيس المدير العام للشركة الكندية، برنار بولان، نهاية شهر نوفمبر الماضي في الجزائر واتفقا على حلّ ودي للخلاف بين الشركتين. واتفق المسؤولان حينذاك على تجاوز الخلافات التي تسبّبت في تعطيل وتيرة الأشغال بعد أن توقفت تماما في تلك الفترة احتجاجا من الشركة الكندية على التأخر في تسديد التسبيقات المالية الواجب دفعها لإتمام المشروع في موعده المقرّر قبل شهر جوان المقبل. يشار أن مشروع إنجاز المقر الجديد للخطوط الجوية الجزائرية، واجه مشاكل إدارية كبيرة، خنقت ماليا المؤسسة الكندية ''أس أم إي'' المكلفة بالأشغال بعد فوزها بالصفقة مقابل 2,8 مليار دينار، أي حوالي 82 مليون أورو. ويفترض حسب عقد الموقع بين الطرفين، أن يتم تسليم المقر الجديد الشهر المقبل لكن تأخر الأشغال بسبب الخلافات التي ظهرت بعد تنحي وحيد بوعبد الله من منصب الرئيس المدير العام للخطوط الجوية الجزائرية وارتبطت أساسا بإجراءات تسديد مستحقات الشركة الكندية وتقترح الجوية الجزائرية ملحقا للعقد ظهر بشأنه خلاف أيضا. الجزائر: سليم بن عبد الرحمان
بعد سنتين من انسداد مشروع استغلال منجم الزنك ببجاية تيرامين أستراليا تلجأ لغرفة التجارة الدولية بباريسئ؟
قررت المجموعة الدولية ''تيرامين أستراليا'' اللجوء إلى التحكيم الدولي وإيداع شكوى لدى غرفة التجارة الدولية بباريس بعد الانسداد الحاصل في مشروع استغلال منجم الزنك بتالا حمزة ببجاية. المشروع الذي امتد لسنتين لم يعرف مخرجا رغم المفاوضات المتتالية بين الشركاء الذين أسسوا لاستغلال المنجم الكبير الشركة الجزائرية ويسترن ميديتيرانيون زنك، والتي تمتلك فيها تيرامين 65 في المائة من الأسهم مقابل 35 في المائة للمؤسسة الوطنية للمنتجات المنجمية غير الجديدة وديوان البحث الجيولوجي والمنجمي. واستفاد المشروع من ترخيص بالاستكشاف وعقد امتياز على مساحة 125 كلم مربع لاستغلال منجم بقدرات قدّرت ب 68 مليون طن، مع مؤشرات احتياطات هامة من الرصاص إلى جانب الزنك. ورغم إبرام اتفاق شراكة في فيفري 2006، إلا أن عمليات الاستكشاف والاستغلال لم تنطلق لتباين المواقف في آليات وطرق الاستغلال، خاصة بعد العروض المقدمة من قبل تيرامين لمناقصة تتعلق بدراسة جدوى في أكتوبر .2010 وظل الخلاف قائما بين الشركاء رغم إيفاد مستشارين وخبراء دوليين حول تقنيات وآليات استغلال المنجم، ويطرح حاليا سيناريوهات متعددة، مع اللجوء إلى التحكيم الدولي، منها إمكانية فض الشراكة وإذا تم ذلك، هناك احتمال دفع الطرف الجزائري لتعويضات مالية.
الهيئات التي تلجأ إليها المؤسسات في حال النزاع مع الدول في قضايا الاستثمار
الغرفة التجارية الدولية بباريس تأسست الهيئة الدولية المعروفة تحت تسمية الغرفة التجارية الدولية سنة 1919 واختيرت باريس مقرا لها، تمثل على نطاق دولي المؤسسات وتفصل في الشكاوى المقدمة من قبلها، من خلال هيئة تحكيم متخصصة أو محكمة التحكيم الدولية، كما تعمل الهيئة التي يترأسها أمين عام ممثلا في جون غي كاريير في تشجيع المبادلات والاستثمارات وحرية تحرير الأسواق الخاصة بالسلع والخدمات وحرية تنقل رؤوس الأموال وتضم 130 دولة. المركز الدولي لتسوية المنازعات المتصلة بالاستثمارات الهيئة الدولية المعروفة اختصارا ب ''سيردي'' مرتبطة بالبنك العالمي، تأسست وفقا لاتفاقية واشنطن في 18 مارس .1965 توفر المؤسسة الدولية وسائل لتسوية الخلافات والتحكيم في القضايا المرتبطة بالمشاريع الاستثمارية والخلافات بين البلدان المتعاقدة ومتعاملين من دول مختلفة، الخدمات والمساعي المقدّمة مدفوعة الأجر وتضمنها الدول والأطراف الشاكية، وتقوم الهيئة بتشكيل محكمة خاصة لكل قضية بقاض وأعضاء، إلى جانب ممثلي الطرفين المتخاصمين وهم عادة مكاتب محاماة دولية فصلت المحكمة في قضيتين في مجال المياه والأشغال العمومية بين الجزائر وشركات إيطالية، كما فصلت في قضية أناداركو وميرسك ضد سوناطراك وتنظر في قضيتي جيلسانووتر الألمانية ضد وزارة الموارد المائية ونجيب ساوريس ضد الحكومة الجزائرية. ص.ح