فسر كثيرون بيان النائب العام ضد هشام عبّود بأنه تعبير عن حالة ''نرفزة'' زائدة عن حدها، قد تكون حلت بما يعرف ب''جناح الرئيس'' في معركة التسريبات حول حقيقة صحة بوتفليقة، لكنها، مهما يكن، استمرار في استعمال سلوك معروف دأبت السلطة على استعماله منذ عشرية، اعتمادا على ''سوط'' العدالة في كسر الإضرابات، وهي تنتقل اليوم لاستعمالها في محاصرة حرية التعبير. بإجماع أغلب المراقبين لم تكن خطوة النيابة العامة في اتجاه هشام عبّود الذي تحدث عن ''تدهور صحة الرئيس ودخوله في غيبوبة''، إلا تعبيرا آخر عن حالة ''تخبط'' قصوى تميز السلوك الرسمي منذ نقل رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، إلى مستشفى فال دوغراس الفرنسي، أكثر من ذلك كان يكفي الحكومة بيان بسيط لنفي أو تكذيب أو توضيح ما جاء من معلومات حول صحة الرئيس، كأنما الصحافة هي من تتحمل المسؤولية في حالة التعتيم هذه. ولم تحدث حدة بيان النائب العام وثقل التهم التي قررت العدالة فتح تحقيق حولها، حتى في الأوقات التي شهدت أكبر قضايا التوتر بين السلطة والصحافة، وجاءت الخطوة لتضاف مباشرة لقرار توقيف صدور جريدتين من وزارة الاتصال، وهو القرار الذي كان يهدف لإخفاء معلومات حول صحة بوتفليقة، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، فأدى إلى نتيجة عكسية تماما، جعل العالم بأسره يبحث عما كتب في الملف الممنوع من النشر. ويمكن وصف الوضعية الحالية أن الصحافة أمام حالة صارخة لإقحام العدالة في النقاش السائد حول صحة رئيس الجمهورية، وهو الشخصية العمومية الأولى في البلاد، ويمكن بالتالي الاعتقاد أن السلطة تستعمل العدالة في ضرب حق دستوري هو الحق في الإعلام، بنفس الطريقة التي تسلكها الحكومة عادة في كسر حق العمال الدستوري في الإضراب، بتسليط العدالة على ''الأمور الشكلية الإجرائية'' لتلك الإضرابات بدل الخوض في فحواها، وهي المطالب المشروعة للعمال. ولعل تحرك النيابة العامة كان سيكون ذا وقع أخف لو جاء في ظروف أخرى، وهي وضعية تصفها نعيمة صالحي، رئيسة حزب العدل والبيان، أمس، قائلة: ''نيابة عامة عهدناها متماطلة في تناول قضايا الفساد التي هزت الرأي العام ونخرت اقتصاد البلاد وساهمت في النزيف المالي لخزينة الدولة، تسارع اليوم في فتح تحقيق ضد إعلامي لمجرد أنه أدلى بتصريحات حول صحة رئيس دولة غائب عن منصبه في ظروف غامضة منذ مدة ليست بالهينة''. والأصل، وفق صالحي، أن يفتح القضاء ''تحقيقا قضائيا عاجلا ضد من يعمل على إخفاء الحقيقة عن الشعب والرأي العام حول صحة الرئيس والاستهزاء بشعبه''، وهو نفس ماذهبت إليه جبهة الجزائرالجديدة التي دعت السلطة إلى ''رفع يدها الحديدية عن الكلمة الحرة وحق الصحفي في نشر المعلومة المطلوبة، وفي حال عدم صحة المعلومة فأمامها حق الرد والتصويب والتصحيح بدل الغلق والمصادرة والمتابعة للإعلاميين''. وقد اختارت النيابة العامة أن تحقق في التصريحات حول صحة رئيس الدولة من باب قانون العقوبات، وليس قانون الإعلام الذي قدمه بوتفليقة ضمن بوابة الإصلاح السياسي، وجاء فيه تحت فصل الأخلاقيات المادتان ''''92 و''93 '' اللتان تفرضان احترام شعارات الدولة ورموزها، التحلي بالاهتمام الدائم لإعداد خبر كامل وموضوعي وعدم انتهاك الحياة الخاصة للأشخاص وشرفهم واعتبارهم، لكنها أبدا لا تلمحان للمساس بأمن الدولة والوحدة الوطنية وسير المؤسسات.