روى الترمذي من حديث عُقبةَ بنِ عامرٍ رضي اللّه عنه قال: قلت: يا رسول اللّه ما النَّجاةُ؟ قال: ''أمسك عليك لسانَكَ، وليسعك بيتُكَ، وابك على خطيئتِكَ''. تُرى ماذا يمثِّلُ البيتُ لأحدنا؟ أليس هو مكان أكله ونومه وراحته؟ أليس هو مكان خلوته واجتماعه بأهله وأولاده؟ أليس هو مكان ستر المرأة وصيانتها؟! إذا تأمّلنا أحوال النّاس ممّن لا بيوت لهم، ممّن يعيشون في الملاجئ أو على أرصفة الشّوارع أو اللاجئين والمشرَّدين في المخيمات، كما يحدث لإخواننا السُّوريين على سبيل المثال، عرفنا نعمة البيت، فإذا سمعت مضطربًا يقول: ليس لي مستقر، ولا مكان لي ثابت، أنام أحيانًا في بيت فلان، وأحيانًا في الحديقة أو غيرها، لعرفت إذن معنى التشتُّت النّاجم عن حرمان نعمة البيت. إنّ المسلم يستطيع أن يلمس فائدة هذا الأمر في حال الغُربة، عندما لا يستطيع مقاومة المنكرات، فيكون البيت له ملجأ إذا دخل فيه يحمي نفسه من العمل المحرّم والنّظر المحرّم، ويحمي أهله من التبرّج والسُّفور، ويحمي أولاده من قرناء السُّوء. ممّا يلاحظ أنّ النّاس يقضون أكثر أوقاتهم، في الغالب، داخل بيوتهم، وخصوصًا في الحرّ الشّديد والبرد الشّديد والأمطار وأوّل النهار وآخره، وعند الفراغ من العمل والدراسة، وبالتالي فلا بد من صرف الأوقات في الطّاعات، وإلاّ ستضيع في المحرّمات. ولأهمية البيت والاهتمام به جعله الإسلام الوسيلة الكبرى لبناء المجتمع المسلم، فإنّ المجتمع يتكوّن من بيوت هي لَبِنَاتُهُ، والبيوت أحياء، والأحياء مجتمع، فلو صلحت اللَّبِنَةُ لنشأ مجتمع قوي بأحكام اللّه، صامد في وجه أعداء اللّه، يَشِعُّ الخير والنُّور منه، ولا ينفذ ولا يتسرَّب إليه شرّ، فتتخرّج من البيت المسلم أركان الإصلاح؛ من الداعية القدوة، وطالب العلم، والمجاهد الصّادق، والزّوجة الصّالحة، والأم المربية، وبقية المصلحين. فإذا كان الموضوع بهذه الأهمية، فما بال بيوتنا خالية من ذِكر اللّه، قال رسول اللّه عليه الصلاة والسلام: {مثلُ البيت الّذي يذكر اللّه فيه، والبيت الّذي لا يذكر اللّه فيه مثل الحي والميت}، وقال تعالى: {وأوْحَيْنا إلى موسى وأخيه أن تبوّءَا لقومِكُما بمِصر بيوتًا واجعلُوا بيوتَكُم قبلة وأقيموا الصّلاة وبشِّر المؤمنين}، قال ابن عباس: أُمروا أن يتَّخذوها مساجد. فكم من بيوت المسلمين اليوم هي ميتة بعدم ذِكْر اللّه فيها، بل ما هو حالها إذا كان ما يُذكر فيها هو ألحان ومزامير، وغيبة وبهتان، ونميمة. كيف حالها وهي مليئة بالمعاصي والمنكرات، كيف تدخل الملائكة بيتًا هذا حاله. اللّهمّ أصلِح بيوتنا. واللّه وليّ التّوفيق.