أيُّها المسؤول.. اعلم، وفّقك اللّه، أنّ الأمير المخلص لا يهدأ فكره ولا تسكن خواطره، ولا يصفو قلبه ولا يستقر لبّه حتّى يؤدّي ما عليه، ويبذل جميع ما لديه. فالخلق في شغل عنه وهو مشغول بهم، والرّجل يخاف عدوًّا واحدًا وهو يخاف ألف عدوّ، والرّجل يضيق بتدبير أهل بيته وهو مدفوع لسياسة جميع أهل وطنه. ومن العجب العجاب أنّ له نفسًا واحدة، وأنّه يأخذ من قوت الدّنيا ما يأخذه أحد الرّعيّة. والعجب أنّه رجل ينال رغيفًا ويحاسَب عن ملايين يحمل أثقالهم ويريح أسرارهم ويجاهد عدوّهم ويسدّ ثغورهم، وهم له قالون وبغيره راضون. ولولا أنّ اللّه يحُول بين المرء وقلبه ما رضي بهذه المنزلة أحد ولا اختارها لبيب. ومثال المسؤول مع الرّعيّة كالطبّاخ مع الأكلة، له العناء ولهم الحارُّ النّاضج وله القار الفالج.