اللعبة الصفرية واحدة من بين مجموعة من الألعاب التي تدخل في إطار واحدة من نظريات العلاقات الدولية المعروفة بنظرية الألعاب، والتي تعبّر عن المشكلات السياسية بمفردات رياضية، وهي تمثل أداة جيدة للتحليل في مجال التفاعلات السياسة التي تحمل أبعاد الصراع والحرب، كما تسهم في تسليط الضوء على جوانب هامة من عملية صنع القرار، وتقوم على إستراتيجية تكون فيها مكاسب الطرف (أ) مساوية لخسائر الطرف (ب)، حيث تكون النتيجة صفرية، فنقطة التقاطع في اللعبة الصفرية مجموعة خالية. لقد مرّ الأسبوع الماضي حافلا بالأحداث والتفاعلات ذات التطور المتسارع والمترابط، وهي تفاعلات ذات علاقة مباشرة بعالمنا العربي، وإن كانت الفواعل والقرارات جميعها تقع خارج نطاقه، ومن بين أهم الاستراتيجيات التي تمارس على أرضه بالريموت كونترول، اللعبة الصفرية التي اعتمدتها القوى الدولية في منطقة عربية ذات تركيبة طائفية عرقية قائمة على بنية سيكولوجية رمزية خطيرة. أول تلك الأحداث انعقاد اجتماع مجموعة الثمانية، حيث لم يتمكن أي طرف من إحداث أي اختراق لموقف الطرف الآخر، الأمر الذي ينطبق تماما على قواعد اللعبة الصفرية والتي طرفاها هنا ليس النظام السوري والمعارضة، إنما القوى الدولية وأتباعها، وكأنها لعبة (بليستيشن) يمارسونها من خلال جهاز التحكم، حيث قضت الحرب بالوكالة بانتظار تغيير الواقع على الأرض لتحسين ظروف المفاوضات في إطار أي مؤتمر للمصادقة سياسيا على ما تم تحقيقه على أرض الملعب، حيث المباراة، أما الجمهور فإنه يتابع عبر الفضائيات والمساحات الافتراضية، وهي وسائل تعتبر جزءا من قواعد اللعبة التي يجري تفعيلها من خلال شهود عيان مدربين ومراسلين أمميين متسللين كما المجاهدين الأمميين، وعلماء أمميين أيضا يقذفون بالفتاوى، وكأن من يتلقاها مجرد فئران في مخابر للتجربة. أما غرفة العمليات، فإنها تقع في نادي الكبار الذين قرّروا وفي هذه اللحظة التاريخية إمداد المعارضة بالسلاح، أو بالأحرى الإعلان الرسمي عن إمداد المعارضة بالسلاح وتدريبها والتخطيط لعملياتها، في محاولة لجعل مجموعة من عوامل الإسناد في مجموعها، في مستوى ما تمكن النيتو من تحقيقه في ليبيا هروبا من استخدام الفيتو. كما قررت روسيا الاستمرار في إمداد النظام بالسلاح، واستمر الجهاديون الأمميون في الالتحاق بجماعات الجهاد في سوريا، مدعومين من بعض الدول العربية، واستمر حزب الله وقوى إقليمية أخرى من ناحيتها في دعم النظام، لتتوفر بذلك كل قواعد اللعبة الصفرية، حيث يقابل كل طرف طرفا يعاكسه في الاتجاه، والخاسر الأكبر في هذه المعركة هو الشعب السوري ودولة سوريا ذات التركيبة الطائفية والعرقية الخاصة، التي تعتبر اللعبة الصفرية الأخطر عليها من كل الألعاب الأخرى، باعتبارها تقوم على توازنات توافقية، هي أبعد ما تكون عن الحسابات المفصلية الرياضية الحادة. وفي تركيا ذات العلاقة بالعمق العربي، فضّل أردوغان العمل باللعبة الصفرية وفقا لمفهوم قاصر ومتجاوز للديمقراطية، حيث وظّف في تعامله مع المحتجين مفهوم الأغلبية مستندا للتعبئة والتجييش، بلغة وخطاب يتجاوز المبادئ الطبيعية التوافقية غير المعلنة التي تقوم عليها مفاهيم الدولة والشعب والأمة، حيث لا تحل الأزمات بالضرورة من خلال الاستعراض العددي، على اعتبار أن الديمقراطية ولا سيما في عهد العولمة ومجتمع الشبكات، تعكس حكم الأكثرية وضمان حقوق الأقلية، ومن ثم فإنه لا يلجأ إلى الاستفتاء عادة إلا عند الوصول إلى حالة معتبرة من التوافق، حيث يصبح الاستفتاء مجرد استكمال شكلي للجانب الدستوري والقانوني المؤسساتي، ومن ثم فإن اللجوء إلى القضاء لحل مشكلة تقسيم مجرد مسكّن مؤقت، حيث إن المطلوب يتمثل في تحديد آليات بعيدة عن الاعتبارات العددية على أهميتها في التعامل مع القضايا المختلف عليها. وفي مصر، حيث تجليات التقاطب كانت واضحة تماما، منذ بداية الحراك الذي ظهر دون قيادة أو رؤية، ولأن حالة الأقلية والأغلبية هي حالة غير مستقرة في المراحل الانتقالية، لأسباب كثيرة تدركها جيدا تلك القوى الدولية التي مورست تجاهها سياسات الاسترضاء التي أغلقت الأنفاق وثبتت المواثيق والمعاهدات وأكدت الضمانات. استخدمت الأحزاب الفائزة في الانتخابات اللعبة الصفرية استنادا إلى النسبة المحصل عليها، وكلما جرى الاعتراض على أمر ما مختلف فيه، تم الإعداد للمليونيات في إطار من الالتباسات الخاصة بقضايا أساسية ومرجعية كان مختلف عليها في الدستور الذي تمت صياغة نصوصه على استعجال، كرّس ذلك التقاطب الذي حل محل التوافق، والذي كلما احتد، سارعت الأطراف إلى اللجوء السياسي عند الأزهر، سعيا وراء استصدار وثيقة طوارئ لتهدئة الخواطر والتي باتت بمثابة مهدئات للأعصاب، سرعان ما تعود إلى وظيفتها الطبيعية طالما لم تحل الأمور بشكل جذري وتوافقي حقيقي، بعيدا عن اللعبة الصفرية. وفي جوارنا، يعتبر البعض أن العمل بالتوافق هو نوع من التنازل، الأمر الذي يبقي العامل السيكولوجي قائما كخلفية للصراع ، لأن التوافق قرار عقلاني يجعل الفائز يشرك الخاسر السياسي في كل القضايا المصيرية، وإلا يبقى ذلك التوافق قلقا ومعرضا للدخول في حالة اضطراب في أي وقت. إنها حالة حراك انبثق دون رؤية ولا فكرة وبلا معرفة، إنها حالة العرب: لعبة صفرية بالريموت كونترول!