أسماء بن قادة، هي سيدة مثيرة للجدل، ليس فقط من خلال زواجها وطلاقها من الشيخ القرضاوي، ولكن حتى بالمستوى العلمي والثقافي الذي بلغته والطموح السياسي الذي يسكنها، من خلال اعتزازها بجزائريتها وانتمائها الى سلالة الأمير عبد القادر.. تنقلت أول أمس إلى مقر جريدة الشروق، وهي مبحوحة الصوت جراء التجمعات الشعبية التي تنشطها في خضم الحملة الانتخابية بوصفها مرشحة عن جبهة التحرير الوطني، وهي التي لديها ميولات فكرية إسلامية مشبعة بالواقعية والعلمية والانفتاح على الآخر.. وكان لصحفيي الشروق معها هذا الحوار الشيق. لا أومن إلا بالإسلام الرسالي واخترت جبهة التحرير لأنها تنسجم مع ذاتي بعض التشكيلات السياسية تحترف توظيف "الحريم السياسي" الجزائر بمنآى عن الحراك العربي ومنذ بدأت الحملة لاحظت مدى تعلق الجزائريين برئيسهم لماذا اتجهت أسماء بن قادة للسياسة، وما الذي أغراها في الترشح؟ إن مفهوم السياسة واسع جدا إذا ما تم تحديده من خلال ما يخلفه من آثار في المجتمع ولدى الشعب، لاسيما إذا ذاب المجتمع السياسي فيما بات يعرف بمجتمع الشبكات، الأمر الذي يتجاوز النظام السياسي بمفهومه التقليدي الذي يتمركز حول المؤسسات والقوى التقليدية بما فيها الأحزاب، أما إذا كنت تقصدين العمل السياسي فإن الدافع الذي يقف وراء اتخاذي لهذا القرار يكمن في مضمون الإصلاحات التي طرحها السيد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ومنهجية تنفيذها لاسيما ذلك التوجه نحو الإستثمار في رأس المال الفكري والمعرفي، الأمر الذي يدخل في صميم انشغالي واهتماماتي، فالسيد الرئيس قرر الاعتماد على كتل تستوعب التحولات المتسارعة الجارية على مستوى الواقع الفعلي، وتملك ذهنية استباقية وخريطة إدراكية تعي ذلك التحول في مفهوم الزمن والإيقاع الاستعجالي المتسارع للتفاعلات ذات البعد المعرفي والاقتصادي والاستراتيجي، وبالتالي السياسي، ومن ثم جرى التركيز على استقطاب الخبراء والأكاديميين من ذوي الكفاءة في اتجاه إحداث تكامل بين الإرادة السياسية والإدارة المعرفية، لرفع التحديات في سياق الاستمرارية. تساءل كثيرون عن ترشحك في جبهة التحرير بدلا عن الأحزاب الإسلامية.. لماذا الجبهة وليس حزب إسلامي؟ إنني أنفر من أدلجة الدين، واعتبر الإسلام السياسي مجرد مرحلة حتمية انتقالية فرضتها تفاعلات المرحلة المباشرة لما بعد الإستقلال، لأسباب طبيعية تعود إلى جدليات الهوية ومشروع المجتمع... الخ... وهي جدليات طبيعية في مثل تلك الظروف التاريخية ليس أكثر، أما عن جبهة التحرير فهي الجامع المانع الذي أجد فيه نفسي برصيده ومبادئه وثوابته، أعيش في انسجام تام مع ذاتي، سواء تعلق الأمر بالهوية من دين ولغة وعرق وثقافة، أو بثوابت السيادة والوحدة، فجبهة التحرير من حيث الرصيد هي بمثابة الروح للذات الوطنية الجزائرية، أما من حيث البرامج فإن جبهة التحرير وبما تملكه من خبرة وتراكم وخزان الكوادر والإطارات والخبراء هي الأقدر على استيعاب وتنفيذ إصلاحات السيد الرئيس، أما الأحزاب الإسلامية فكلنا مسلمون، والإسلام هو الإسم الذي اختاره الله عز وجل لدينه بعيدا عن أي مسميات أخرى من إسلام سياسي ووسطي ومعتدل وتاريخي وأوروربي... الخ؛ وكأن مفردة الإسلام عاجزة على أن تفي بالمعنى وكأننا في موقف دفاعي عن الإسلام، بينما تلك المسميات كلها نتاج لمراكز التفكير الغربية التي تنحت المصطلحات مرحلة مرحلة وفقا لاستراتيجياتها ومصالحها لتلك المرحلة، إني أؤمن بالإسلام الرسالي، الذي يعبر عنه جوهر الإسلام ومقاصده، وهو ما يتحدد عند جبهة التحرير بالمبادئ الإسلامية، كما جاء في بيان أول نوفمبر. أثار خصوم بلخادم جدلا واسعا حول ترشيحك بحجة أنك لست مناضلة في الحزب؟ لقد رد السيد الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم بما فيه الكفاية على هذا الموضوع، وأضيف على ذلك، أنه ورغم احترامي وتقديري الكامل للمفهوم التقليدي للنضال، ولكن النضال لا يمكن اختزاله في بطاقة وما تضمه من مدى زمني بقدر ما ينبغي أن يقاس بالإنجازات، وما يقدمه المناضل من إضافات، لاسيما وأن مفهوم الزمن قد تغير، فنحن نعيش في زمن اللازمن كما يقول مانويل كاستلس، ثم هناك قضية أخرى تتمثل في قصور تلك الإستراتيجية التي تركز على المناضل بالمفهوم التقليدي، وتغيب المواطن، وفي هذا السياق أحب أن أذكر ذلك السرور الكبير والتجاوب الذي حظيت به لدى المواطنين أثناء الحملة الانتخابية، والذين عبروا عن فرحهم بهذا الترشح واعتبروه عنوانا وبداية لكثير من التحولات الإيجابية التي تمثل إضافات حقيقية للحزب. تناولت وسائل الإعلام خبرا مفاده أن الشيخة موزة تدخلت عند رئيس الجمهورية ليتم ترشيحك للبرلمان، هل هذا صحيح؟ صاحبة السمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند، تقف وراء انجازات هامة في قطر على رأسها مؤسسة قطر للتربية والعلوم والمجلس الأعلى للأسرة، وكذا المركز العربي للعمل التطوعي خارج قطر وغيره، وبيني وبينها مودة وتواصل، ولكن تبقى لكل دولة السيادة الكاملة على مؤسساتها وتحديد مرشحيها لها، فالخبر عار عن الصحة ولا أساس له من الحقيقة والواقع. هل تتخوف السيدة أسماء من منافساتها بالعاصمة؟ لماذا لا تسأليني عن رأيي في المنافسين من الرجال والنساء وليس المنافسات حتى لا ندخل في دائرة الحريم السياسي، ونتعامل مع مبدأ المواطنة الذي يمثل الخلفية لترقية المشاركة السياسية للمرأة في الجزائر، والمنافسة في الحقيقة هي بين البرامج التي تطرحها الأحزاب، وما تتضمنه من مشاريع وحلول ورؤى قابلة للتنفيذ، وفي هذا السياق ومن خلال اطلاعي على بعض البرامج أجد تحسنا ملحوظا لدى بعض الأحزاب من حيث الابتعاد عن الشعارات والإيديولوجيا ومجموعة "الينبغيات" التي تركز على المبادئ ، وليس البرامج، رغم أن بعض التشكيلات السياسية اندفعت باتجاه ممارسة التجارة البور بدل السياسة في عرض نفسها من خلال بيع الوهم للناس، إنه نوع من التزوير يسجل الفرق الواضح بين الصعلكة والسياسة. هل تتوقعين فوز الإسلاميين في الجزائر سيما بعد تربع بعض الأحزاب الإسلامية على عرش السلطة بعد الثورات العربية؟ إن عهد الشعارات والإيديولوجيا قد ولّى، كما بات الشعب الجزائري يفصل تماما بين الدين وتوظيف الدين، لذلك سيكون من الصعب جدا على الأحزاب الإسلامية استقطاب فئات عريضة من الشعب الذي أصبح يدرك بأن الإسلام رسالة من شأن كل مسلم أن يعمل على تحقيق مقاصدها العليا ومعانيها الكبرى في حياته وليس شعارا يوظف في هذه المناسبة أو تلك مثل شعار الإسلام هو الحل، إن الإسلام دين يقوم على منظومة أخلاقية علينا أن نجسدها في حياتنا فتتجلى في سلوكياتنا، أما على مستوى التنمية فإن الإسلام كما قلت في أحد مقالاتي ليس مصباح علاء الدين، ولا البساط السحري لسندباد البحري، وفي هذا السياق فإن الجزائر فعلا استثناء بسبب ما عاشته خلال عشرية عمقت الوعي لدى بعض الفئات التي كانت غافلة بأنه من حيث الدين، الشعب كله مسلم، وتبقى المنافسة حول الأفكار والبرامج والإنجازات. كيف تابعت السيدة أسماء الحراك العربي، وهل أنت مع ما يصفونها بالثورة؟ نعم، تابعت الحراك العربي متابعة الدارس المفكك والمحلل للظاهرة من خلال رصد ذبذباتها الدقيقة، ومختلف تطوراتها، من منطلق علمي ومعرفي وسياسي، وكتبت مجموعة من المقالات، وقمت بمجموعة من الدراسات حولها ومن بينها: الاحتجاجات العربية ومفهوم الثورة، التكنوقراط: الحل الوحيد لمطالب الجيل الرقمي، حول مفهوم الرحيل، ساركوزي والناتو والحديقة الخلفية، الأممية الإخوانية والحكم الرشيد، أردوغان والإخوان صدمة في فجوة، حول التحول في مفهوم الدبلوماسية: من ريشوليو إلى الدبلوماسية الرقمية، الخ، وانتهيت إلى أن الحراك العربي لا يزيد عن كونه حالة سيكولوجية تجلّت في نوع من الهيج والغضب الجمعي الانفعالي الذي تسببت فيه مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، واستغلته قوى تقليدية بسبب غياب الرؤية والفكرة والبرنامج، ولكل ذلك يمكن القول بأن ذلك الحراك الذي فعَّلته التفاعلات الشبكية الأفقية والسطحية وقوى دولية هو أبعد ما يكون عن المفهوم السياسي للثورة. هل ترى أسماء أن الجزائر بمنآى عن هذا الحراك؟ يقينا، لأن الشعب الجزائري اختار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كحل لأزمة العشرية التي حلت بالجزائر نتيجة حراك عام 1989، ولقد وضع استراتجية ذات أولويات واقعية، بدأت بالوئام والمصالحة، فبدون الأمن والاستقرار يستحيل تنفيذ مشاريع التنمية، وكخطوة أولى، شرع في تأهيل البنية التحتية عبر حزمة من الإنجازات، وعلى رأسها الطريق السيار والسكك الحديدية والجسور، ودائما في إطار سلم من الأولويات بهدف التسريع في تلبية الحاجات الاستعجالية للمواطن كانت المشاريع الضخمة للإسكان، فضلا عن إصلاح المنظومة التربوية وتشييد مزيد من الجامعات والمراكز الجامعية والمستشفيات، وكذا تحديد آليات جديدة لتحسين الرعاية الصحية المجانية... الخ، وإذا أضفنا إلى ذلك، الوعي العميق لدى الشباب الجزائري بأبعاد وخفايا سياسات القوى الدولية نجد بأن الأرضية في الجزائر غير صالحة أبدا لمثل هذا الحراك، وأحب في هذا السياق أن أؤكد على شيء آخر، لمسته من خلال الحملة الانتخابية عبر التحسيس الجواري لدى جميع الفئات، بل فئة الشباب بالضبط، وحتى منها تلك التي تقول بالمقاطعة، فإنها تحرص على التأكيد بأنها مع السيد الرئيس، وهي تدعمه بقوة في برنامجه وسياسته. وصول الإسلاميين للسلطة في عدد من البلدان، هل ترينه منطقيا، أم أنه ورقة تلعب على مستويات الدول الكبرى؟ لقد كتبت مجموعة مقالات حول هذا الموضوع في الأسابيع الماضية من بينها: (حول مفهوم الأغلبية والأقلية في الأنظمة الانتقالية) و(عندما تتحول دول الإسلام السياسي إلى دول اعتدال جديدة)، أكدت فيهما على أن سياسة الاسترضاء التي اعتمدتها الأحزاب الإسلامية في تواصلها مع القوى الدولية اضطرتها إلى تقديم تنازلات أثّرت على سيادة القرار، وكذا على مصداقيتها، لاسيما وأن تلك الأحزاب ركزت دوما على توظيف بدلا عن البرامج مجموعة من الشعارات، وركبت للدين أبعادا إيديولوجية هي تدفع ثمنها اليوم على مستوى المواقف، إن هذه الأحزاب مضطرة للعودة إلى المدرسة الواقعية التي كانت تعارض تجلياتها بالأمس، ولذلك أقول بأن مفهوم الأقلية والأغلبية في هذه المراحل الانتقالية لدول الحراك هو مفهوم غير ثابت، ولن يتجاوز عمره تلك المرحلة التي تستغرقها التفاعلات المؤدية إلى التوازنات الحقيقية على مستوى الواقع. ما موقفك من فتاوى الشيخ القرضاوي تجاه ما حدث في الوطن العربي فيما يتعلق بالثورات العربية في كل من ليبيا وتونس ومصر؟ أنا لا أؤمن بالفتاوى الفردية، حيث أنه من شروط الفتوى فقه الواقع، ونحن نعيش اليوم في واقع شديد التعقيد، حيث لا يمكن لتخصص واحد أو شيخ دين فرد، فك ذلك التعقيد وتجاوزه، ولذلك لابد أن يسهم في الفتوى مجموعة من التخصصات من بينها عالم السياسة وعالم الاجتماع والاقتصاد وعالم النفس... الخ، من أجل المساعدة على فقه ذلك الواقع واستيعابه، إنها المنهجية المعبر عنها بتكامل التخصصات أو العبر منهاجية، فضلا على أن الفتوى وفي حالة الحاجة إليها من المفترض أن تكون ضمن هيآت ومؤسسات وليس عبر منابر الجمعة، أو من خلال الفضائيات، لاسيما إذا كانت الفتوى سياسية محفوفة بالمخاطر ذات العلاقة بحياة الإنسان، ويمكن أن تثير فتنا هي أشد من القتل، وأضيف على ذلك ضرورة الاجتهاد في تجديد الأدوات والمناهج المعتمدة من طرف كليات الشريعة حتى يصبح الخريجون أكثر قدرة على تفكيك الواقع من أجل تمكين علماء الشريعة من استيعاب فلسفة التعقيد وإكسابهم الأدوات المنهجية الجديدة التي توظفها العلوم الإنسانية، ولاسيما منها تلك التي يتحدد من خلالها ذلك التحول في مفهوم الزمن، فالفتوى أيضا بنت زمانها ومكانها، فضلا على ضرورة أن يتزود أولئك الخريجون بأكثر من لغة أجنبية تمكنهم من الاستفادة من توسيع دائرة معارفهم من ناحية، ومن قراءة الواقع الدولي واستيعاب ما يجري على ذلك المستوى من ناحية ثانية، فمرحلة اتخاذ الجماهير كاحتياطي بشري للتعبئة والتجييش قد انتهت، وطقوس التبجيل وفروض الولاء والطاعة التي جعلت الأتباع أشبه بسدنة المعابد لم يعد لها مكان، لأنها لم تنتج سوى كمّ للمراوحة، لابد أن ننتقل بشعوبنا إلى عالم الأفكار وكاريزما العقل، بدلا عن ثقافة الأبطال، وكاريزما القلب والأشخاص من أجل اختراق العطالة والقضاء عليها. الشعب الجزائري تعرف عليك عن طريق زواجك من العلامة القرضاوي، فلماذا يزعجك لقب طليقة القرضاوي؟ فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، أنا أحمل جينات عائلة بن قادة الجزائرية كابرا عن كابر حتى الأمير عبد القادر، وهي جينات مفعمة بالشموخ والعنفوان والاعتزاز بكل ما يرمز لوطن أعشقه بجنون، وما تبقى مسألة وقت سرعان ما تمضي لحالها وتندثر.