عجيب هو حال الإنسان مع هذه الدُّنيا، يتقلَّب فيها بين نِعم وآلاء تماسيه وتصاحبه، لا يستطيع لها عدًّا ولا حصرًا، فإن فقد واحدة ممّا لا يعدّ صار حزينًا كالطفل المدلَّل الّذي فقد إحدى لعبه. قال الله تعالى: {يَعرِفون نِعْمَتَ اللهِ ثمّ يُنكرونها وأكثرُهم الكافرون} النّحل:83، وقال تعالى: {ومِنَ النّاس مَن يَعْبُدُ اللهَ على حَرْف فإن أصابَه خيرٌ اطمأنَّ به وإن أصابَتْه فِتنة انقلَب على وَجهِه خَسِرَ الدّنيا والآخرة ذلكَ هو الخًسران المبين} الحج:11. والحقيقة أنّ الإنسان لو نظر بعين العدل ووِفْقَ عمليّة حسابية يجد أنّه لا مجال للمقارنة بين ما أصبغ الله عليه من نعم وبين ما ابتلاه بفقده، قال سبحانه: {وآتاكُم من كلِّ ما سألتموهُ وإن تَعُدُّوا نعمة اللهِ لا تُحصوها إنّ الإنسان لظَلوم كفَّار} إبراهيم:34، والله سبحانه جعل العطاء، كالمنع، واحدًا من أساليب التّمحيص والابتلاء، قال سبحانه: {فأمّا الإنسانُ إذا ما ابتلاهُ ربُّه فأكرَمه ونَعَّمَه فيقولُ ربِّيَ أكْرَمَن * وأمّا إذا ما ابتلاه فَقَدَرَ عليه رِزْقَهُ فيقولُ ربَّيَ أهانَنِ} الفجر:15-16. كلاّ فإنّ الله تعالى يعطي العَطاء لمَن يحبّ ولمن لا يحبّ، ويمنعه على من يحبّ ومَن لا يحبّ، فكلاهما تمحيص لمعادن الرّجال ومدى استقامتهم مع الله، قال تعالى: {ونَبْلُوكُم بالشّرٍّ والخْيرِ فِتنة وإلينا تُرجعون} الأنبياء:35.