قالت إنها أرادت أن تضع الأمريكيين أمام حقيقة التطرف كريمة بنون تستعرض مواقف رجال ونساء رفضوا التطرف عرضت كريمة بنون أستاذة القانون الدولي والحقوق الإنسانية بجامعة "ديفيس" في كاليفورنيا بالولاياتالمتحدة، تفاصيل مؤلفها "فتواكم لن تطبق هنا، قصص لم تُروَ عن مكافحة الأصولية"، مؤكدة أن الكتاب استلهم محتواه من شهادات رجال ونساء أبدوا شجاعة نادرة في مواجهة العنف والتطرف، مخصصة حيزا كبيرا للتجربة الجزائرية المريرة والتي تم عرضها في ما وراء الأطلسي بالخصوص. وقالت "لقد كتبتُ هذا الكتاب لتخليد روح ضحايا الحرب التي يشنها الجهاديون على الثقافة منذ عشرين سنة، وهذا حتى نقول لعائلاتهم وزملائهم الذين يواصلون عملهم أن تقدميي البلدان الأخرى لن ينسوهم". أوضحت كريمة بنون ابنة عالم الأنثربولوجيا الجزائري محفوظ بنون أول أمس خلال محاضرة ألقتها ضمن فعاليات “فوروم الخبر” الذي نظمه مركز “الخبر” للدراسات الدولية بمطعم “روسو نيرو” بالجزائر العاصمة، أن كتابها موجه إلى النخبة والقراء والجامعيين وحتى الساسة في الغرب، وهو يهدف إلى تسليط الضوء على من قاوم ويقاوم وضحى بحياته من أجل إعلاء مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة في العالم العربي الإسلامي، مؤكدة أن شجاعة هؤلاء هي التي دفعتها إلى تسليط الضوء على مساراتهم ونضالهم وإظهارهم للعلن لتقديم صورة مغايرة عن تلك التي ارتسمت في الأذهان حول مجريات الأحداث في العالم الإسلامي ومنها الجزائر. واختارت كريمة بنون اللغة الانجليزية لإيصال رسالتها إلى أوسع قدر ممكن من القراء في الدول الناطقة بالإنجليزية خاصة المجتمع الأمريكي، حيث حاورت 286 شخص من 26 بلدا زارت بعضها، وهي أفغانستانوباكستان وفلسطين والنيجر ومالي وتونس ومصر والسودان وإيران والعراق، مع تخصيص حيز كبير للحالة الجزائرية خلال الأحداث المأساوية الدامية في التسعينات. ولاحظت ضيفة “فوروم الخبر” أن “الكتاب بدأ بفكرة استلهمتها من مسرحية باكستانية أقيمت بمدينة لاهور تحكي قصة شهيد نجيم الذي أراد أحد رجال الدين منعه من الاستعراض، فكان له رد قطعي هو فتواكم لا تطبق هنا”، مضيفة “هذا العمل يستعرض مواقف أشخاص مغمورين غير معروفين قاوموا وأبدوا رفضهم للتطرف والأصولية في بلدانهم، وأعطوا صورة مغايرة عما يعنيه الإرث والثقافة الاسلامية ومشروع المجتمع المغاير، وكل ذلك كان مجهولا في الولاياتالمتحدة، وأردت أن أضع الكثيرين في المجتمع الأمريكي أمام هذه الصورة”. في نفس السياق، قالت بنون إنها أرادت من خلال هذا المؤلف إحياء هذه الصور البطولية والحفاظ عليها وطلب الدعم والمساندة لهؤلاء الذين يواجهون الأصولية، والتأكيد على عدم النسيان، وتغيير الصورة المنمطة التي ظلت راسخة في العالم الغربي، حيث ظلت شخصية بن لادن هي الغالبة في الذهنية مع سيادة خطاب لا يطاق يتسم بالتمييز والإقصاء. فكان لزاما إعطاء الصوت لمن لا صوت له، تضيف بنون.
بنون تؤكد أن النموذج التركي لا يلائم الجزائر هناك ضرورة ملحة لعدم استخدام الدين في السياسة أثار تساؤلات الحضور في “فوروم الخبر” موضوع “أي النماذج السياسية أنسب للجزائر”، حيث تحدث عدة فلاحي عن أهمية النموذج التركي لمواجهة الإسلام المتطرف وبناء “إسلام معتدل”. وقالت الأستاذة بنون في هذا الإطار إن النموذج التركي ليس حلا مناسبا للجزائر، وذكرت أن نجاح هذا النموذج في تركيا لا يقتضي بالضرورة نجاحه في باقي الدول الإسلامية. كما تحدثت في هذا الإطار عن المظاهرات التي شهدتها ساحة “كازي بارك” بتركيا والتي انتفض فيها الأتراك ضد سياسية البلاد، بما يؤكد أن النموذج التركي لا يعتبر نموذجا مثاليا، وقالت “هناك خطوات وتحديات كبيرة في حال تطبيق النموذج التركي في الجزائر”. واختصرت المتحدثة في معرض تعليقها على “أي النموذج أنسب” أن هناك ضرورة ملحة لعدم استخدام الدين في السياسة. وقد أثار هذا الطرح أيضا تحفظ المحامي عدنان بوشعيب من “جمعية صمود” الذي أشار إلى أن الانتقال من الإسلام المعتدل إلى التطرف أمر بسيط، وقال “نحن أمام مظهرين غير واضحين”، متسائلا عن حدود التفرقة بين الإسلام المعتدل والمتطرف قائلا “لا توجد حدود واضحة للتفريق بين الدين كمعتقد والدين كوسيلة للسلطة، وهو الأمر الموجود في جميع الديانات وليس في الإسلام فقط”. الجزائر: م. علال حماية الذاكرة من النسيان مهمة الجميع دعت الباحثة كريمة بنون إلى حماية الذاكرة من النسيان من خلال التأكيد على دور المجتمع المدني، كما عرج النقاش الذي شارك فيه مثقفون وصحفيون وأفراد من عائلات ضحايا الإرهاب في الجزائر، على الحديث عن دور المثقف من خلال دعوتهم إلى حمل أفكار من راحوا ضحية الإرهاب من الصحفيين أمثال الطاهر جاووت وعمر أورتيلان. وعرج المستشار السابق بوزارة الشؤون الدينية عدة فلاحي في تعليقه على ما جاء في كتاب الباحثة الجزائرية حول ضحايا الإرهاب، على ضرورة الاهتمام بدراسة الأسباب والدوافع التي فجرت ظاهرة التطرف. من جهته أثنى مصطفى بن فوضيل الصحفي بجريدة “الوطن” على البحث الميداني العميق الذي قدمته الأستاذة بنون، كما طرح تساؤلا حول الجانب القانوني وكيف يمكن تحريكه من خلال العمل الميداني لبحث سبل تحقيق الزوايا القانونية الدولية الكفيلة بالدفاع عن حقوق ضحايا الإرهاب وحماية الذاكرة من النسيان. وأكدت الباحثة في معرض ردها على الاستفسار أن هناك ضرورة فعلية لتوحيد نص قانوني دولي في هذا الإطار لتجاوز “صدمة الحضارة”، وقالت “لقد زرت الجزائر سنة 2010 وللأسف وجدت حقوق ضحايا الإرهاب مهضومة”، وأضافت “كنت أعتقد أنني سأجد الاحتفاء بهم في الجزائر كالأبطال ولكن للأسف وجدتهم مهمشين”. الجزائر: محمد علال أنا متحفظة إزاء الصيغة القانونية للمصالحة الوطنية ❊ عبرت كريمة بنون عن تحفظاتها إزاء الصيغة القانونية للمصالحة الوطنية في الجزائر، مشيرة إلى أنه “من ناحية القانون الإنساني، تقنين النسيان أمر خطير ومرفوض، لو كان الأمر يتعلق بالنسيان الثقافي أو غيره لكان الأمر مستساغا، ولكن في مثل هذا الحالة الوضع مغاير”، مضيفة أن هناك عملا قانونيا يتم القيام به لتحليل قانون المصالحة، وأنا أدعم العمل الذي يقوم به تكتل ضحايا الإرهاب، وتطرقت للموضوع أمام قضاة محكمة الجنايات الدولية الذين تأثروا للعرض المقدم، لتكشف عن ترجمة ستتم بعد تحليل القانون إلى اللغة الإنجليزية لتوضيح كافة الجوانب المتصلة به. لا نعيش تصادم حضارات بل سجالا بين الداعين للديمقراطية والثيوقراطية اعتبرت بنون أن العالم لا يعيش صداما بين الحضارات، بل هناك مواجهة وسجال بين أولئك الذين يدعون إلى الديمقراطية والذين يدعون إلى الثيوقراطية حسب تعبيرها، قائلة “حتى في الولاياتالمتحدة هناك صراع وتصادم بين تيارات يمينية متطرفة، وأخرى يسارية أو ديمقراطية”. وضعية ضحايا الإرهاب غير منصفة ❊ شددت بنون على عدم إنصاف ضحايا الإرهاب الذين يعيشون وضعية صعبة، مؤكدة “اطلعت على الواقع السائد خلال التسعينات، وعايشت بعض فصوله حينما كنت أزور الجزائر، ولكن ما أذهلني وصدمني أنني وجدت ضحايا الإرهاب يعانون من الفقر المدقع والتهميش، وهناك من كان يعيش في نفس المنزل الذي شهد اغتيال أفراد أسرهم، فلماذا لا يُعترف بما عانى به هؤلاء ويتم التنكر له”. شددت على تفادي تكرار المآسي التي عاشتها الجزائر التطرف ليس محصورا في شعب دون غيره أكدت كريمة بنون أن الضحايا هم الوحيدون القادرون على الصفح والتسامح وأنه لا يحق لغيرهم القيام بذلك بدلا عنهم، مشيرة إلى أن هناك عملا كبيرا يتعين القيام به لمعرفة الحقائق والكشف عنها لمعرفة لماذا حدث كل ذلك، وبالأخص تفادي تكرار تلك المآسي التي ضربت في عمق المجتمع الجزائري والمجتمعات الإسلامية والعربية. وأوضحت بنون أن العمل الذي يحويه مؤلفها يعكس نبرة المقاومة والتحدي ورفض التهميش والإقصاء والتطرف ومقاومته. وبالمقابل هناك توجه لتحديد الحقائق واستخلاص الدروس للتأكيد على رفض التطرف والأصولية، ولهذا العمل امتدادات، حيث سيتواصل للحفاظ على ذاكرة هؤلاء الذين قاوموا وضحَّوا من أجل الحفاظ على هذه المبادئ، حيث سيتم تجميع أعمال وكتابات الصحفيين والكتاب الذين اغتيلوا في الجزائر، ومواقف هؤلاء الذين واجهوا وقاوموا بالكلمة والقلم في مختلف الدول والأصقاع وكل ذلك سيساهم في تفادي تكرار المآسي في مناطق ودول أخرى، مشددة على الدور المحوري والفاعل للمجتمع المدني في ترسيخ المبادئ والقيم الديمقراطية، مستدلة بما كانت تقوم به عدد من الجمعيات في باكستان لتعميم ثقافة حقوق الإنسان والقيام بتظاهرات اقتصادية وتوعية وتحسيس. ولاحظت بنون أن الديانة لا علاقة لها بالعنف والإرهاب، وأن التطرف ليس حكرا على شعب من الشعوب، وبخصوص النموذج التركي اعتبرت أنه بالنسبة لعدد من الفاعلين والنشطاء لا يعتبر نموذجا مثاليا في البلدان العربية، فلكل خصوصياته وميزاته وظروفه الخاصة. قالت كريمة بنون الأصولية تعيش حركة مدّ إن الأصولية تعيش حركة مدّ في اليمن وفي تونس وخارجهما. وبهذا الخصوص، تحدثت أستاذة جامعية بصراحة عن الرعب الذي تملكها منذ اغتيال شكري بلعيد، وأرغمها ذلك على تغيير أماكن عيشها اليومي لحماية نفسها. واليوم، يجب أن تستخدم التجربة الجزائرية كإنذار لمخاطر هذا المآل ومساعدة الناس على تحديد أفضل وسيلة لمكافحة تلك الأصولية. وفي مقال بالغ الدلالة اليوم كما كان الحال في الماضي عندما كُتِب في 1993، سنة قبل اِغتياله، شرح صالح شواقي الأمر قائلا “إن أفضل وسيلة للدفاع عن الإسلام تكمن في إبعاده عن كل تلاعب سياسي، وأنفع طريقة للدفاع عن الدولة العصرية هي جعلها في منأى عن كل استغلال للدين لأغراض سياسية”. درس التجربة الجزائرية إن ما حدث في الجزائر منذ عشرين سنة يُبيِّن أن التحدي الذي فرضته الأصولية على الثقافات وعلى أنماط العيش المحلية هو واقع موجود. وليس من الصدفة أن تكون آخر كلمات آخر عمل للطاهر جاووت في شكل سؤال “هل سيعود الربيع من جديد؟. من أجل تضامن التقدميين لقد كتبتُ هذا الكتاب لتخليد روح ضحايا الحرب التي يشنها الجهاديون على الثقافة منذ عشرين سنة. وهذا حتى نقول لعائلاتهم وزملائهم الذين يواصلون عملهم بأن تقدميي البلدان الأخرى لن ينسوهم. وإذا كان الموت قدرا الرجال والنساء، فإن الكلمات لن تموت أبداً، ولذا فإنني أبقى أرتوي من كلماتهم كل يوم. لقد علمونا أن نكون متبصرين وثابتين في نقد اليمين المتطرف أينما كنا، وأن من يقاومون بالقلم وحده أو بصوتهم في حاجة إلى دعم. هكذا تكلم والدي محفوظ بنون منذ أكثر من عشرين عاما، قال لي والدي “بدأت أفهم أن الكفاح ضد الأصولية والتطرف الذي يخوضه عدد لا يحصى من الناس الذين هم من أصول إسلامية في العديد من البلدان، كان أحد الكفاحات الأكثر أهمية في مجال الحقوق الإنسانية، والأكثر تعرضا للامبالاة في العالم”. وللأسف، يبقى الأمر كذلك بعد ثلاثين سنة.