روى النُّعمان بن بشير رضي اللّه عنه قال: سمعتُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ”إنّ الحلال بيِّنٌ وإنّ الحرام بيِّنٌ، وبينهما أمور مشتبهاتٌ لا يَعلَمُهنّ كثير من النّاس، فمَن اتّقى الشُّبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، ومَن وقع في الشُّبهات وقع في الحرام، كالرّاعي يرعَى حول الحِمَى يوشك أن يَرْتَع فيه، ألاَ وإنّ لكلّ ملك حِمًى، ألاَ وإنّ حمى اللّه محارمُه، ألاَ وإنّ في الجسد مُضْغَةً إذا صَلُحَت صلَح الجسد كلّه، وإذا فَسَدت فسَد الجسد كلّه، ألاَ وهي: القلب” رواه البخاري ومسلم. فهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الشّريعة، وأحد الأحاديث الّتي يدور عليها الدّين، وقد عدّه بعض أهل العلم ثلث الإسلام أو رُبُعَه، ويعنون أنّ الإسلام يدور على ثلاثة أحاديث أو أربعة منها هذا الحديث. وقد قَسَّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم النّاس بالنسبة إلى هذه الأمور المشتبهة إلى قسمين: الأوّل، من يتّقي هذه الشُّبهات ويتركها، طلبًا لمَرضاة اللّه عزّ وجلّ، وتحرّزًا من الوقوع في الإثم، فهذا الّذي استبرأ لدينه وعِرضه، أي طلب البراءة لهما، فحصل له البراءة لدينه من الذمّ الشّرعي، وصان عرضه عن كلام النّاس فيه، وفيه دليل على أنّ مَن ارتكب الشُّبهات، فقد عرض نفسه للقدح والطعن، كما قال بعض السلف: ”مَن عرَّض نفسه للتُّهم فلا يلومنَّ مَن أساء الظنّ به”. والثاني، مَن وقع في هذه الشُّبهات مع عِلمه بأنّ هذا الأمر فيه شُبهة، فقد أخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ مَن فعل ذلك فقد وقع في الحرام، بمعنى أنّ الإنسان إذا تهاون وتسامح في الوقوع في الشّبهات، وأكثر منها، فإنّ ذلك يوشك أن يوقعه في الحرام ولا بدّ، وهو لا يأمن أن يكون ما أقدم عليه حرامًا في نفس الأمر، فربّما وقع في الحرام وهو لا يدري.