بعيدا عن فضيحة ديمقراطية استعمال الأذنين للتجسّس على أفواه الأصدقاء والأحباب والجيران من قِبل وكالة الأمن القوميّ الأمريكيّ، وكشفت بها مرّة أخرى عن عورة الأمريكان الكبيرة وخذلانهم لأنفسهم في مجال تقديم الدروس للعالم حول حقوق الإنسان وحريّة التعبير والمعتقد واحترام الأشخاص والخصوصيات، وما إلى ذلك من الشعارات الفارغة والميّتة قبل أن تولد، خاصّة أنّ العالم يسمع جعجعتها ولكن لا يرى طحينها!! وقد التهمت رأسماليتها القمح والنّفط والغاز واليورانيوم والذهب في البرّ والبحر، وباعت للضعفاء من أمثالنا ريحها ونحنُ كلّ يوم نعدُّ ضحايانا ونمسح دمائنا ونُجفّف دموعنا!! هل بعد الانهيار الاقتصادي والماليّ الكبير ابتداء من سنة 2008، وما تبعهُ من تداعيات على باقي العالم، نستطيع أن نقول إنّنا نشهد حالياً أفول نجم الولايات المتحدّة وأذنابها؟ وهل المشروع الرأسمالي بصورته الغربية الحالية يُمثّل خطرا كبيرا على مستقبل الاقتصاد العالميّ، وبالتاليّ مستقبل الإنسان في كلّ مكان؟ وهل ستبقى الرأسمالية إيديولوجية من لا إيديولوجية له؟ أسئلة كثيرة طرحتها وأشعلت تفكيري وأنا أتابع بعض إنجازات خمس دول كبرى حالياً، ونستطيع أن نقول عنها إنّها هي الأمل الاقتصاديّ والسياسيّ لعالم ما بعد انهيار الإمبراطوريّة الأمريكيّة وذيلها الاتّحاد الأوروبي، بعيدا عن أطروحات فوكوياما التشاؤميّة. وتُمثّل هذه الدّول اثنين من قارة آسيا الصينوالهند، وواحدة من أوروبا روسيا، ومن إفريقيا جنوب إفريقيا، ومن أمريكا اللّاتينية البرازيل، وتُشير كلمة البريكس إلى كلّ حرف لاتيني من أسماء هذه الدّول القادمة على ريح التطوّر والإنتاج الإقتصادي والصّناعي والاستقرار الماليّ. وإذا تكلمنا بلغة الأرقام نجدها تُمثّل مجتمعة أكثر من 43% من سكان العالم وتحمل 25% من الدّخل القومي العالمي، كما أنّها تحتفظ بقرابة نصف الاحتياطيّ العالميّ من العملات الأجنبيّة، بالإضافة إلى الذهب، وهذا مُؤشٍّر على قدرة هذه الدول على حلّ بعض جذور الأزمة الماليّة العالميّة التي تسبّبت فيها كبريات المصارف العالمية المملوءة بروح الجشع والخيانة والمحتكرة بفكر رأسماليّ لصوصيّ، ولكن في حقيقة الأمر كبار سماسرة وول ستريت لا يسمحون للآخرين بحلّ المشاكل المعقدّة التي كانوا هم السبب فيها وهم وحدهم الذين يحملون مفاتيح الحلّ لها، فاللعبة كُلّها بين أيديهم من دون منافسة معيّنة حتى يتم غلق باب التنافس العالمي الشريف من أجل صنع العالم في القرن الواحد والعشرين. وقد أثبتت دول البريكس مواقف عديدة تتسّم بالنديّة السياسيّة للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدّة، وفي معارك عديدة، خاصّة في الآونة الأخيرة بما يتصّل بالملفيّن السوري والإيرانيّ، فقد أعلن قادتها، في إعلانهم المشترك في العاصمة الهندية نيودلهي، أنّ الوضع المتعلق بإيران لا يجب أن يُسمح له بالتصاعد، وعبّروا عن قلقهم بشأن الوضع المتعلق ببرنامج إيران النووي. أمّا العملاق الصيني فعبّر عن موقفه الحرّ بأنّه على استعداد دائم للعمل مع أيّ دولة، حتّى ولو كانت من الدول التي تتهمها الولاياتالمتحدة بانتهاكات حقوق الإنسان! ولا يُمكن أن نغفل التحولات السياسية الداخلية التي شهدها الثلاثي: الهندوالبرازيلوجنوب إفريقيا، في السنوات الأخيرة، خاصّة مع تعزيز التداول السلمي على السلطة والابتعاد عن الشبهات المفسدة لروح الديمقراطية الحقيقية! وكلّ هذه الدول لم تُصدّر لها الديمقراطيّة فوق دبابات ولا من صواريخ باليستية عابرة للقارات! أمّا السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا أين واقع الجزائر اليوم اقتصاديا وسياسيا؟ وأين هي كلّ الأحلام الورديّة التي نوّمتنا طوال عقود سابقة؟ في السبعينيات كان الرئيس الراحل هواري بومدين يفتخر بإنجازاته الاشتراكية، ويخطب أمام العالم أنّ الجزائر ستصبح يابان العالم العربي، وأنّها ستخرج عمّا قريب من دائرة التخلف ومن قطب دول العالم الثالث. ولكن منذ عشرين سنة صرنا نتمنّى أن لا نصير صومال العالم العربي! وهذا رغم الاعتماد الكليّ على نعم حاسي مسعود وحاسي الرمل بنسبة 98%، ما جعل دولتنا في موقع قوّة ماليّة تُحسد عليها، حيث أقرضت صندوق النقد الدولي بالدولار، وعملت على مسح ديون عدة دول إفريقية العام الماضي في خطوة جريئة.. أمّا داخليا فلم تكن لهذه الأموال أيّ فائدة معتبرة على حياة الشعب الجزائري، والدليل نسبة النموّ الاقتصادي التي بلغت 3,7% الشهور الماضية، وهي نسبة ضعيفة مقارنة بعدّة دول إفريقية لا تملك نصف ثروات الجزائر ولا إمكانياتها الاقتصادية والبشرية. [email protected]