يرى رئيس البرلمان العربي، أحمد الجروان، أن اللحظة مناسبة لاستقرار الأوضاع داخل دول الربيع العربي، وقال إنه يرفض التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة عربية، لكن استقرار الدول ليس شأنا داخليا، فالمنطقة العربية بالنسبة إليه تمثّل وحدة فريدة تربطها اللغة والدين والجغرافيا، وبالتالي هو يفضّل أن تكون الحلول للأزمات العربية من داخل المنظمات الفاعلة، وعلى رأسها جامعة الدول العربية والبرلمان العربي، وأكد أن العرب ينتظرون الكثير من دول مستقرة وطامحة في مستقبل أفضل مثل الإماراتوالجزائر. ما هو دور البرلمان العربي في الأزمة السورية؟ الواقع نحن نحمّل المجتمع الدولي مسؤولية تفاقم الوضع في سوريا، بعد ثلاث سنوات من معاناة الشعب السوري. كنا نراقب منذ بداية الثورة وقلنا إننا ندعم الشعب السوري وكل تحرّك إيجابي، ولكن الأمور خرجت عن سيطرة سوريا والعالم العربي أيضا، وأصبح الحلّ الدولي ضرورة، فهناك لاعبون كثر لحلّ القضية سواء من دول الجوار أو الدول المحورية والدول العظمى. ونحن نتمنى أن تنفذ بنود مؤتمر جنيف1، وننتظر جنيف2، ونتمنى أن يكون هناك حلّ سلمي وإيجابي للمواطن والوطن السوري، لأن الاستقرار في سوريا يعود بالنفع على المنطقة العربية كلها. نحن من البرلمان العربي نعنى بالأمن القومي العربي والهدوء والاستقرار في المنطقة، وسوريا يجب أن تعود لتلعب دورها في المنطقة، والبرلمان العربي يتمنى أن تخرج نتائج جنيف2 بأفكار إيجابية سياسية ترضي كل الأطراف، لا نريد أن نصل لحلول لجزء من المشكلة وتبقى المشكلة معلّقة قد تثار في أي وقت لاحق، نريد أن ننتهي من هذا الملف. هل ترى أن الحل السلمي للأزمة السورية ممكن؟ نعم، لأن الحل العسكري سيكون فاشلا وسيزيد من الدم والقتل والتوتر في المنطقة. والدبلوماسية العربية لو أعطيت الفرصة فهي قادرة على أن تتعامل مع الوضع، وتعاون الدبلوماسية العربية مع الأصدقاء المحيطين بالمنطقة العربية والمجتمع الدولي يجعلنا قادرين، في تصوري إذا كانت النوايا حسنة وجيدة، على أن نصل إلى حل. لماذا تم نقل مقر البرلمان العربي من دمشق إلى القاهرة، أليس من الأفضل أن يبقى هناك للمساهمة في حلّ الأزمة السورية؟ مقر البرلمان العربي مازال في دمشق وباق هناك، ونحن الآن ضيوف في القاهرة، بصفة مؤقتة، ولنا مكتب وقانون والنظام الأساسي للبرلمان العربي يجيز له فتح مكاتب في العواصم العربية. ويجب أن نكون منطقيين، الوضع في سوريا الآن ليس بالوضع الملائم لأن يقوم البرلمان العربي بدوره. الآن سوريا في حالة حرب تقريبا، ورغم هذه الأجواء لم يغلق مكتبنا في دمشق تماما. لدينا موظفون مازالوا هناك. ورغم الكثير من الأبواب التي أوصدت أمامنا خلال سنوات الحرب السورية الداخلية، إلا أننا مازلنا نملك الأمل في الوصول إلى حل.. ونتمنى أن نصل لمرحلة نؤمن فيها أن ما حدث كان ربيعا عربيا، إلا أننا لم نر ربيعا حتى الآن. وكيف ترى الوضع في مصر؟ ما يحدث في مصر هو شأن مصري داخلي. وفي تصوري الشعب المصري يعرف طريقه جيدا، ونحن بصورة عامة ضد الإرهاب، ونعرف أن المصريين قادرون على مواصلة طريقهم وبناء مستقبلهم الجديد. نحن مع كل ما هو إيجابي في المنطقة العربية، ومصر بلد كبير وفيه الكفاءات، والبرلمان العربي لا يريد أن يزجّ نفسه مع طرف ضد آخر، نحن ننبذ كل من يتكلم بالبنادق ويتحاور بالتفجيرات. كيف تقيّم نتائج ما يسمى الربيع العربي في دول شمال إفريقيا، خاصة تونس وليبيا؟ تونس متجهة إلى الهدوء ونتمنى أن يرتب الشعب التونسي أوراقه. مصر وتونس وليبيا لديها ثقافة منفتحة نعتقد أنها سوف تساهم في الوصول إلى الاستقرار سريعا. لكننا في البرلمان العربي لا نريد أن يحسب علينا أننا نقف خلف صف أو ندعم طرفا ما. الإخوان في تونس الآن اتفقوا على أن يكون هناك تنازل من قيادة إلى أخرى، ونتمنى أن تعود كل القيادات العربية لدعم الوحدة العربية. وفيما يتعلق بالوضع في ليبيا فهو مقلق جدا بسبب انتشار السلاح، ونتمنى أن يكون هناك حدّ لهذا الانفلات.. لا أريد أن أقول انفلاتا أمنيا، هذه شؤون داخلية، ولكن ما نشاهده في ليبيا يحتاج من الليبيين أن يقفوا لحظة عن التراشق بالاتهامات والعمل لأجل أبنائهم. الجزائر ضحت بمليون ونصف مليون شهيد لكن أمام مغتصب مستعمر، لكن في ليبيا الوضع مختلف، نحن أبناء بلد واحد، نتمنى أن يحتكموا للعقل وتكون هناك تنازلات وأن نهدأ ونتكلّم بصوت العقل. هل ترى أن المنطقة تتعرّض لمخطط أمريكي لتفتيتها؟ نحن في البرلمان العربي لا نناقش القضايا السياسية ولا نتبنّى فكرة المؤامرة. الشعوب هي التي تصنع المستقبل والدول والقيادات وتلاحم القيادة مع الشعب والتوجه للسلام. نحن المسلمين والمسيحيين كذلك ندين بديانات سماوية أساسها المحبة والتآخي، ولدينا علماء ومفكرون ومصلحون، وليس كل هؤلاء الناس خونة وينفذون مخططات إمبريالية.. هذه كلها مدارس قديمة قد انتهت. نحن نتكلم عن مصطلح الإمبريالية والاستعمار في الخمسينيات والستينيات، إفرازات للحرب العالمية الثانية ومدارس مختلفة.. الآن أصبحنا ننافس في المجالات المتفوقة في العلم، لا أؤمن بنظرية المؤامرة. تركيبة ووضعية العالم العربي وثقافته تتماشى مع كل الشعوب، ولذلك ترين أن الكثير من العرب مهاجرون في أوروبا وأمريكا وأمريكا الجنوبية ووصلوا إلى قيادات دليل على أن ثقافة العربي تتعايش. أنا لست مع هذا الفكر، وأعتقد أننا نحتاج لتكثيف التعليم وتثقيف أنفسنا. العالم العربي عالم خير، والكثير من العلماء الأمريكيين قالوا إن العالم بأسره دون العالم العربي عالم باهت ليس له طعم. لنا موقع إستراتيجي ونحن نمثّل ملتقى الحضارات ومركزا للثروات. نحتاج كعالم عربي أن نفكر أكثر في المستقبل ونعتمد على الشباب، ودول عربية تسير في هذا الطريق بالفعل.. أقصد طريق المستقبل، مثل الإمارات التي تستعد في 2017 لإطلاق قمر صناعي بصناعة إماراتية 100%، هذا إنجاز. والجزائر أطلقت قمرين بصناعة محلية، وقد أصبحنا متفوقين. لا أريد أن نركز على أن هناك مخططا لتفجيرنا وتقسيمنا، هناك شرور بالفعل من حولنا، لكن هناك خير أيضا، هناك من لهم مصالح في الاستحواذ على مصادر اقتصادية معينة وتنفيذ خطط معينة، لكن هذه هي طبيعة المنافسة في الأسواق والعالم المفتوح، ونحن عرب من الخليج إلى المحيط لدينا مزايا يفتقدها باقي العالم، لدينا لغة واحدة وتربطنا صلة قرابة. مثلا أنا في زيارتي الأخيرة إلى الأردن وجدت أن لي قبيلة من عائلة الجروان نفسها. تبقى القضية الفلسطينية هي محور عمل كل المنظمات العربية، وفي ظل انشغال كل حركة في الداخل الفلسطيني بنفسها تتزايد المخاطر، فكيف ترى المشهد هناك؟ البرلمان العربي والجامعة العربية يضعان القضية الفلسطينية على رأس أولوياتهما منذ نشأتهما، وهي قضيتنا الأولى والمحورية. والبرلمان في هذه الدورة أخذ شعار ”فلسطين في قلب الأمة العربية والإسلامية”، وفي كل مراسلاتنا نتبنى هذا الشعار، ونحاول دائما تجاوز الانقسام بين الإخوة الفلسطينيين، ونحمّل المجتمع الدولي مسؤولية تفاقم الأوضاع نتيجة التقاعس عن الضغط على العدو الصهيوني في ظل الانتهاكات التي يقوم بها في فلسطين، مثل تهويد القدس والأعمال المشينة في جبين المجتمع الدولي، الذي تغاضى عنها بحق هذا الشعب الجريح. وللأسف المجتمع الدولي يجد في الانقسام الفلسطيني الداخلي مبررا لرفع يده عن التجاوزات الإسرائيلية، ويطلبون منا أن نحل مشاكلنا الداخلية أولا. ونحن نحاول أن نقرب وجهات النظر ونصل لتفاهمات، وحتى نصل إلى ذلك نقوم بتسيير قوافل إغاثة إلى غزة. وطالبنا المجتمع الدولي بأن يقوم بمسؤولياته أمام تهويد القدس والمخططات الإسرائيلية، حتى على مشروع قانون تقاسم ساحة المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين. والمتابع لموقع البرلمان العربي يجد أنه يتفاعل مع الشعب الفلسطيني وأنه داعم للفلسطينيين في مطالبهم بالضغط على العدو الصهيوني. ما هي أهم التحديات التي يواجهها البرلمان العربي؟ المنطقة العربية تمر الآن بمنعطف خطير، وهناك تحولات في المنطقة أتمنى أن نعبرها بسلام. البرلمان يمثّل الحكومات العربية والتوجهات العربية ويواجه المجتمع الدولي. ونحن من ضمن الأمة مستعدون في البرلمان بأن نكون عونا لكل ما هو صالح، وفي كل دول العالم أصبح دور البرلمانات مسموع، ونتمنى أن تعي القيادات والحكومات العربية أن البرلمان العربي يضم نخبة من المسؤولين. هل يمكن أن نضع البرلمان العربي في مقارنة مع الكونغرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي؟ لمَ لا، هل نحن أقل منهم؟ لكن هناك دول احترمت رأي الآخرين وقيّمت مدى الاستفادة من هؤلاء الناس. نحن الآن في العالم العربي، لا أريد أن أقول تغيب عنا هذه الثقافة، ولكن نحن في مرحلة تطوير عمرها ست سنوات، ولا أريد أن يظلم البرلمان العربي ويقارن بالكونغرس أو بالبرلمان الأوروبي أو الإفريقي، نحن عمرنا سنة، لكننا نعرف الطريق نعرف هدفنا وأننا في مرحلة بناء. ونحن الآن متجهون إلى أن نبني ونستمر في البناء لكي نصل في يوم من الأيام إلى القدرة على أن نوصل الرسالة، بأننا داعمون للتوجهات السليمة. البعض ينتقد المنظمات العربية، يقولون إنها موجودة من أجل الوجود ولا دور فاعل لها على أرض الواقع.. كل من يريد أن يقول ما يشاء له ذلك. نحن لا نستطيع تكميم الأفواه، أو نكون حتى في موقع الدفاع. وما يدافع عنا هو عملنا الذي سنقدّمه، وسيجد تقبّلا من الطرف الآخر مثلما نسمع ماذا فعلت الجامعة العربية بمؤسساتها. هي ثقافة، لابد أن تكون لدينا الجرأة أن نفهمها. الكثير من دول العالم العربي تكوّنت بعد الحرب العالمية الثانية ومن مدارس مختلفة. جلّ القيادات العربية محترمة تحب شعوبها وتعمل لشعبها. هناك تماسك بين القيادات والشعوب لا نريد أن نؤجج ونكبر الفجوة بين الحاكم والمحكوم. هناك نظرة إيجابية لدى البرلمان العربي في أن يرى مستقبل قادم. نعم هناك مؤسسات تحتاج إلى تطوير، والتطوير ليس عيبا إذا كنا نعمل. هذا جيد، لكن الأجود أن نضاعف العمل وأن تكون نتائجنا أكبر وهذا حق مشروع. ونحن في البرلمان العربي نتقبّل كل من لديه فكرة أو رؤية أن يتواصل معنا ونبلورها. ليس البرلمان العربي هو الذي بيديه مفاتيح الغنى والرفاهية للشعوب وحلّ جميع المشاكل.. أمريكا الدولة العظمى تعاني من كساد تجاري غير طبيعي، وأوروبا تعاني من تفكك اجتماعي، ونحن في الوطن العربي نتأثر بالأزمة الاقتصادية في العالم. كيف ترى محاولات إيران للتدخل في الشأن العربي؟ نحن في البرلمان العربي اتخذنا توجهين: التوجه الأول عدم الخوض في الشؤون الداخلية للدول، والتوجه الثاني هو فتح الخط لعلاقة مع الدول المحيطة ودول الجوار. نحن نسعى لبناء علاقات قوية مع تركياوإيران والدول الإفريقية. ولكننا نندد بأي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية في الوطن العربي. نحن لا نسمح لا لإيران ولا تركيا أن تتدخلا في شؤوننا الداخلية. نعم نبني علاقات جيدة وواضحة لدعم رفاهية الشعوب، وندعم التبادل التجاري والتواصل الثقافي. وإيران ستبقى جارة إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها.. قدرنا أنها جارتنا، لذا نسعى أن تكون علاقتنا جيدة معها لا ندخل في قضايا خلافية وطائفية، كل ما يربطنا بإيران هو جيرة وهي دولة مسلمة، نتمنى أن تكون نظرة إيران مثلما ننظر إليها نحن. العالم العربي عالم محترم ومحب للسلام، نتمنى من إيران أن تنحّي احتلالها للجزر الإماراتية، ونطالبها بعدم التدخل في الشأن الداخلي البحريني والداخل العربي. إذا كان لإيران والدول المحيطة أي إمكانيات لحلّ المشاكل بالطرق العادية والتواصل من خلال مساع حميدة لرأب الصدع بين دولتين هذا محمود، حتى لو طلبت إيران منا التدخل بينها وبين أفغانستان على سبيل المثال لمَ لا. لكن أن تتدخل في الوطن العربي وتؤجج قضية بين دولة وأخرى هذا مرفوض، وأي عربي يقبل بأن تتدخل أي دولة جارة بثقلها وسلاحها وعتادها وإمكانيتها لإثارة المشاكل. والبرلمان العربي بارك لروحاني فوزه بالانتخابات، وتمنينا أن يفتح صفحة جديدة تمكّن من دخول الشعبين العربي والإيراني في صداقة. لكن يبقى الدور على الدبلوماسية العربية وعلى السياسة العربية. هناك لاعبون آخرون، وليس البرلمان العربي هو المعني لإصلاح العلاقات مع الدول أو المحافظة على العلاقات أو تسليط الضوء على القضايا، نحن نعمل في الداخل العربي. كلمة أخيرة للجزائر.. الشعب الجزائري شعب سطّر تاريخه بيده، شعب محبوب ويضرب به المثل في كل الوطن العربي، وهذه ليست مجاملة للجزائر. وفي كل المحافل الدولية تجد أن الجزائريين شعب محافظ ومتمسك بعاداته وتقاليده ودينه، وهو شعب راق. العالم العربي يعوّل الكثير عليه، وأن يكون هناك تواصلا أكبر وأقوى لخدمة الأمة العربية. الجزائر قدّمت الكثير من الشهداء للجزائر والعالم العربي، وساهمت في مدّ الجسور بين إفريقيا والعالم العربي وأوروبا كذلك. نحن نوجه للشعب الجزائري وقيادته وفخامة الرئيس بوتفليقة التحية، ونتمنى المزيد من الرفاهية والاستقرار للشعب الجزائري.