قال اللّه عزّ وجلّ: {لَا أُقْسِمُ بهذا الْبَلَدِ} هذا التعبير في قول اللّه (لَا أُقْسِمُ) بمعنى أقسم، و(لَا) هنا مؤكّدة للقسم، وهذا البلد هو مكّة، وأقسم اللّه به عزّ وجلّ لعظمه وعلو شأنه، فهو خير البقاع وأحبّها إلى اللّه. {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} يقسم اللّه بهذا البلد في حال كون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سيحلَّ بها، وهذا من إعجاز القرآن الغيبي. {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} أقسم اللّه بالوالد وبمَن ولد، {مَا وَلَدَ} بمعنى من ولد ومن هو هذا الوالد؟ هل هو إبراهيم ومن ولد أبناؤه أو آدم وأبناؤه؟ الظاهر هو آدم، أنّ اللّه أقسم بآدم وبولده فلمّا ذكر المساكن وهي البلد ذكر السّاكن وهو آدم وبنيه فقال {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ}. ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ مبيّنًا على أيّ أقسم {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} أي في تعب ونصب وجهد وبلاء. {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} متكبّرًا متجبّرًا وطاغيًا. {أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} يقول أَنْفَقتً مالًا لُبَدًا أي كثيرًا. {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ اللّه عزّ وجلّ. {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} يبصر بهما {وَلِسَانًا} يتحدّث به {وَشَفَتَيْنِ} يجمّلانه ويضمّان فمه ويستران جوفه {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} أي هديناه ودللناه على طريق الخير وطريق الشرّ، فهو يرى الحقّ ظاهرًا بأدلّته ويرى الباطل ظاهرًا بأدلّته. {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي دخل، والعقبة جبل في جهنّم. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} ثمّ أَخْبَر تعالى عن اقتحامها. {فَكُّ رَقَبَةٍ} يعني بعِتقها. {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} أي ذي مجاعة شديدة يطعم في ذلك اليوم يرجو ما عند اللّه عزّ وجلّ. {يَتِيمًا} أي قد مات أبوه، {ذَا مَقْرَبَةٍ} قريبًا منه وليس بعيدًا عنه. {أَوْ مِسْكِينًا} فقيرًا قد أصابه الذلّ والمسكنة بسبب فقره، {ذَا مَتْرَبَةٍ} قد لصق بالتراب من شدّة الفقر. {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} أي كان من المؤمنين العاملين صالحًا المتَوَاصِين بالصَّبْرِ على أذى النّاس وعلى الرّحمة بهم. {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} أي المُتَّصفون بهذه الصّفات من أصحاب اليمين. {وَالّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} أي أصحاب الشّمال. {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} أي مطبقة لا يخرجون منها، نسأل اللّه العافية والسّلامة. أنشر على