معرفة اللّه تعالى، المعرفة اليَقينية العقدية الصّحيحة، تجعل المؤمن يعيش بين طريقين متقابلين يختلفان في المضمون ويلتقيان في النتيجة؛ فالمؤمن يشعُر من خلال إيمانه بوجود اللّه وما يتّصِف به من صفات الكمال المطلق بالأمان بدل الخوف، وبالأُنس بدل الوحشة، وبالمعيّة بدل الغربة، ذلك الشّعور الّذي يستصحب المؤمن في خلوته وجلوته، فيما يعترض حياته من مَسرّات ومضرّات يجعل المؤمن دائمًا واثقًا بربّه، متوكّلاً عليه، شاكرًا له، صابرًا محتسبًا لبلائه وامتحانه، طالبًا منه سبحانه العون والتّوفيق. فالمؤمن يبدأ يومه ب«بسم اللّه” ويختتمه ب«الحمد اللّه”. ومِن ثمرات معرفته للّه أنّه كلّما اقترف ذنبًا لجأ إلى اللّه محسنًا الظنّ فيه، طالبًا منه العفو والرّحمة، فهو سبحانه يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب ويتوب على مَن تاب، قال تعالى: {إلاّ مَن تاب وآمَن وعَمِل صالحًا..}، ولِمَا رواه الشّيخان عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “كان رجل يسرف على نفسه فلمّا حضره الموتُ قال لبنيه إذا أنا مِتُّ فأحرقوني ثمّ اطحنوني ثمّ ذروني في الرّيح، فواللّه لَئِن قُدِّر عليّ ربّي ليعذّبني عذابًا ما عذّبه أحدًا. فلمّا مات فعل به ذلك، فأمَر اللّه الأرض فقال اجمعي ما فيك منه، فإذا هو قائمٌ، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتُك يا ربّ أو قال: مخافتك يا ربّ، فغفر له بذلك”. إنّه الشّعور بالأسى الّذي يصاحب النّدم بعد الذّنب، شعور بسَعة رحمة اللّه وجميل عفوه رغم الخوف من عذابه وعقابه، وهذا هو سرّ قول اللّه عزّ وجلّ: {فَفِرُّوا إلَى اللّه} الفِرار من العِقاب إلى مَن بيده العقاب لاعتقادك وحسن ظنّك فيه، ومِنَ الرّجاء في عفوه عنك إلى الطرف الثاني في علاقتك مع اللّه بالخوف من عقابه والخشية من استدراجه والحذَر من الموت على مخالفته ومعصيته، وهو ما يجعل بين المؤمن والمعصية أو الإصرار عليها سَدًّا منيعًا، إنّه الشّعور بوجود اللّه وعِلمه وإحاطته بكلّ شيء عنك: {ومَا تَخْفِي الصّدور}. أنشر على